للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موفورين لم يُكْلَمْ منهم أحدٌ كلْماً، فلو أنّ امْرأً مُسلِماً مات من دون هذا أسَفاً ما كان فيه مَلوماً بل كان به عندي جَديراً. يا عجباً كلَّ العجب، عجبٌ يميتُ القلبَ ويشغل الفهمَ ويُكثر الأحزان، مِنْ تضافرِ هؤلاء القوم على باطِلهم وفَشلِكم عن حقِّكم حتّى صَبحتم غَرضاً تُرْمَوْنَ ولا تَرْمونَ، ويُغارُ عليكم ولا تُغيرون، ويُعْصى اللهُ عزَّ وجلَّ فيكم، ولا تَرْضَوْن، إذا قلتُ لكم: اغزوهُمْ في الشتاء قلْتُمْ: هذا أوانُ

قُرٍّ وصِرٍّ، وإنْ قلت لكم: اغزوهم في الصّيف قلتم: هذه حَمارّةُ القَيظِ أنْظِرْنا يَنْصرمُ الحَرُّ عَنّا، فإذا كنتم من الحرّ والبرد تفِرّون فأنتم واللهِ من السيف أفرُّ، يا أشباهَ الرجالِ ولا رجال، ويا طَغامَ الأحلامِ، ويا عُقولَ ربَّاتِ الحِجالِ، واللهِ لقد أفسدتم عليّ رأيِي بالعِصْيان، ولقَدْ ملأتم جوفي غَيْظاً، حتّى قالت قريشٌ: ابن أبي طالب رجلٌ شجاعٌ ولكن لا رأيَ له في الحرب! لله درُّهم، ومن ذا يكون أعلمَ بها منِّي أو أشدَّ لها مِراساً! فو الله لقد نهضْتُ فيها وما بلغت العشرين. ولقد نَيَّفْتُ اليوم على الستّين ولكن لا رأيَ لِمَنْ لا يُطاع. . . وإليك شرح بعض ألفاظ هذه الخطبة الخالدة، قوله: وسيم الخسف معناه: كُلِّف وألزِمَ وجُشِّم قال تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ}. أي يُجشمونكم أشدَّ العذاب، فسيم: كُلِّف وألزم، والخسف: الذلُّ والهوان، وأصله أن تُحبسَ الدابَّة على غير علفٍ ثم استُعيرَ فوُضِعَ موضعَ الهوان: ودُيِّث: ذُلّل. ومنه اشتقاق الدّيّوث وهو: الرجل الذي لا غيرةَ له. وقوله: في عُقر دارهم: أي في أصل دارهم، والعُقر: أصل كلِّ شيء ومن ثمّ قيل. لفلان عَقارٌ: أي أصل مالٍ يعتمد عليه من منزل وضيعة ونخيل ونحو ذلك. وقوله: وتواكلتم يقال: وكَلْتُ