للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي أهل الثغور وفي الحرمين وفي أقاصي أهل المشرق والمغرب، فيجيبه إلى كلِّ ما يريد، ولقد كلّمه يوماً في مقدار ألف ألف درهم ليُحفرَ بها نهرٌ في أقاصي خراسان، فقال له: وما عليَّ من هذا النهر: فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يسألك عن النظر في أمر أقصى رعيتك، كما يسألك عن النظر في أمرِ أدْناها، ولم يزل يَرْفُق به حتى أطلقها. قالوا: وكان ابتداءُ اتصال ابن أبي دُواد بالمأمون ما حدّث به ابن أبي دُواد نفسُه، قال: كنت أحضر مجلسَ القاضي يحيى بن أكثم، مع الفقهاء، فإنّي عنده يوماً إذ جاءه رسولُ المأمون، فقال له: يقول لك أمير المؤمنين: انْتقِلْ إلينا أنت وجميعُ من معك من أصحابك، فلم يحبَّ أن أحضرَ معه، ولم يستطع أن يؤخِّرَني، فحضرت مع القوم، وتكلّمنا بحضرة المأمون، فأقبل المأمون ينظرُ إليَّ إذا شرعت في الكلام، ويتفهَّم ما أقول، ويستحسنه، ثم قال لي: من تكون؟ فانتسبْتُ له، فقال: ما أخَّرك عنّا؟ فكرهت أن أحيلَ على يحيى، فقلت: حَبْسةُ القدر، وبلوغ الكتاب أجلَه، فقال: لا أعلَمَن ما كان لنا من مجلس إلا حضرتَه، فقلت: نعم، يا أمير المؤمنين، ثم اتصل الأمرُ، وقيل: قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من خراسان، من قبل المأمون، في آخر سنة ٢٠٢ وهو حَدَثٌ، سِنُّه نيفٌ وعشرون سنة، فاستصحب جماعةً من أهل العلم والمروءات،

منهم ابن أبي دُواد، فلمّا قدم المأمون بغداد في سنة ٢٠٤ قال ليحيى: اختر لي من أصحابِك جماعةً يجالسونني ويكثرون الدخولَ إليّ، فاختار منهم عشرين، فيهم ابن أبي دُواد، فكثروا على المأمون، فقال: اختر منهم، فاختار عشرة فيهم ابن أبي دُواد، ثم قال: اختر منهم، فاختار خمسةً، فيهم ابن أبي دُواد، واتصل أمرُه. . . وكان من وصية المأمون إلى أخيه المعتصم عند الموت: