وجُمِع لسليمان جنوده من البشر والجن والطير، فهم يُسَاقون بنظام، حتَّى إذا جاؤوا إلى وادي النمل (موضع بالشام) قالت نملة من النمل: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم؛ حتَّى لا يهلككم سليمان وجنوده وهم لا يعلمون بكم، إذ لو علموا بكم لما داسوكم.
فلما سمع سليمان كلامها تبسّم ضاحكًا من قولها هذا، وقال داعيًا ربه سبحانه: ربّ وفقني وألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ وعلى والديَّ، ووفقني أن أعمل عملًا صالحًا ترتضيه، وأدخلني برحمتك في جملة عبادك الصالحين.
وتعَهَّد سليمان الطيرَ وتفقّدهم فلم ير الهدهد، فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ أمنعني من رؤيته مانع؟ أم كان من الغائبين؟، فلما تبين له غيابه قال: لأعذبنّه عذابًا شديدًا، أو لأذبحنّه عقابًا له على غيابه، أو ليأتيني بحجة واضحة تبين عذره في الغياب.
فمكث الهدهد في غيابه زمنًا غير بعيد، فلما جاء قال لسليمان عليه السلام: اطلعت على ما لم تطلع عليه، وجئتك من أهل سبأ بخبر صادق لا شك فيه.
إني وجدت امرأة تحكمهم، وأُعطِيت هذه المرأة من كل شيء من أسباب القوة والملك، ولها سرير عظيم تدير مِن عليه شؤون قومها. وقد وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله سبحانه وتعالى، وحسَّن لهم الشيطان ما هم عليه من أعمال الشرك والمعاصي، فصرفهم عن طريق الحق، فهم لا يهتدون إليه. وأضلهم لئلا يسجدوا لله الَّذي يُخْرِج ما ستره في السماء من المطر، وفي الأرض من النبات، ويعلم ما يخفيه الناس من الأعمال وما يظهرونه، لا يخفى عليه من ذلك شيء. الله الذي لا معبود بحق غيره، هو رب العرش العظيم.
فقال سليمان عليه السلام للهدهد: سننظر أصدقت فيما تدعيه عن مملكة سبأ، أم كنت من الكاذبين. ثم كتب سليمان كتابًا، وسلمه للهدهد، وقال له: اذهب بكتابي هذا فارمه إلى أهل سبأ وسلّمهم إياه، وتنحّ عنهم جانبًا بحيث تسمع ما يرددون بشأنه.