للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول عن نفسه عليه الصلاة والسلام: إِنِّي عَبْدُ اللهِ، وَمَكْتُوبٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ: (خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) -وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ (١) فِي طِينَتِهِ-، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي فَلَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ. إِنَّ اللهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاني مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ (٢)، وَاسْتُرْضِعْتُ فَكَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ (٣)، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا (٤)، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا (٥)، فَقُلْتُ: يَا أَخِي، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَتَانِي رَجُلانِ -عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ- بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟، فَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ، فَغَسَلَ بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ، فَغَسَلَ بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ، فَذَرَّهَا فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حُصْهُ، فَحَاصَهُ (٦)، وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ (٧)، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ. ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ.

ولما وقع حلف الفضول في ذِي الْقَعْدَةِ -وهو من الأشهر الحرُم- عام (٣٣ ق هـ) تداعت إليه قبائل من قريش: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبدالعزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فاجتمعوا في دار عبدالله بن جُدْعان التيمي؛ لسنِّه وشرفه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته،


(١) يعني طريحاً ملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه.
(٢) قالَ ابنُ كَثِيرٍ: وتَخْصِيصُ الشَّامِ بِظُهُورِ نُورِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إشَارَةٌ إِلَى اسْتِقْرَارِ دِيِنِهِ وَثُبُوتِهِ بِبِلَادِ الشَّام، ولِهَذَا تَكُونُ الشَّامُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَعْقِلًا لِلْإِسْلَامِ وأهْلِهِ، وبِهَا يَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ عَليهِ السَّلامُ.
(٣) وهي حليمة السعدية.
(٤) يعني خرج في رعاية الغنم.
(٥) طعاماً.
(٦) حاصه: خاطه. يعني يخيط الجرح.
(٧) خَاتَمُ النُّبُوَّةِ: هُوَ قِطْعَةِ لَحْمٍ نَاتِئَةٍ، عَلَيْهَا شَعْرٌ عِنْدَ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حَجْمُهَا قَدْرُ بَيْضَةِ الحَمَامَةِ.

<<  <   >  >>