للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَرَجَعَ عُتْبَةُ عَلَى قُرَيْشٍ وقال لهم: خَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ، فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ العَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى العَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أسْعَدَ النَّاسِ بِهِ، قَالُوا: سَحَرَكَ وَاللَّهِ يَا أبَا الوَلِيدِ بِلِسَانِهِ، قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ.

وَكَانَ أشْرَافُ قُرَيْشٍ يَسْتَشْعِرُونَ حَلاوَةَ القُرْآنِ في قُلُوبِهِمْ، ولَكِنَّهُمْ يُكَابِرُونَ. قَالَ الوَلِيدُ بنِ المُغِيرَةِ: ومَاذَا أقُولُ؟ فَوَاللَّهِ ما فِيكُمْ رَجُلٌ أعْلَمَ بِالأشْعَارِ مِنِّي، ولا أعْلَمَ بِرَجَزِهِ، ولَا بِقَصِيدِهِ مِنِّي، ولا بأشْعَارِ الجِنِّ، واللَّهِ مَا يُشْبِهُ الذِي يقُولُ شَيْئًا منْ هَذَا، ووَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلهِ الذِي يَقُولُ حَلَاوَةٌ، وإنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةٌ، وإنَّهُ لَمُثْمِرٌ أعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أسْفَلُهُ، وإنَّهُ لَيَعْلُو ومَا يُعَلَى، وإنَّهُ لَيَحْطِمُ ما تَحْتَهُ، فقَالَ له أبو جهل: لا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حتَّى تقُولَ فيهِ. قَالَ: فَدَعْنِي حتَّى أُفكِّرَ، فلَمَّا فكَّرَ قَالَ: هذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، يَأْثُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ. وقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا مِمَّا عَرَضْنَاهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أضْيَقَ بَلَدًا، ولَا أقَلَّ مَاءً، وَلَا أشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الجِبَالَ التِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، ولْيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، ولْيُفَجِّرْ لَنَا فِيهَا أنْهَارًا كَأنْهَارِ الشَّامِ والعِرَاقِ، ولْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، ولْيَكُنْ فِيمَنْ يَبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ: قُصَيَّ بنَ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، فَنَسْأَلهُمْ عَمَّا تَقُولُ: أحَقٌّ هُوَ أمْ بَاطِلٌ، فَإِنْ صَدَّقَكَ وَصَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ صَدَّقْنَاكَ، وعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ، وأنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ، فَقَالَ لَهُمْ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، وَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، حتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ"، قَالُوا: فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا لَنَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَعَكَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، ويُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وسَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جِنَانًا وقُصورًا وكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ، يُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ، وتَلْتَمِسُ المَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُ، حتَّى نَعْرِفَ فَضْلَكَ ومَنْزِلَتَكَ مِنْ رَبِّكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ،

<<  <   >  >>