للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكَانَ أَبُو لَهَبٍ يَتْبَعُ رسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الأسْوَاقِ، والمَجَامِعِ، ومَوَاسِمِ الحَجِّ، ويُكَذِّبُهُ.

وكان بعضهم ينعتونه بـ (مُذَمَّم)، فكان عيه الصلاة والسلام يقول: "ألَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ ولَعْنَهُمْ، يَشْتُمُونَ مُذَمَّمًا، ويَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وأنَا مُحَمَّدٌ".

وكَانَ عُتْبَةَ بن ربِيعَةَ سَيِّدًا مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ، وكَانَ قَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ مِنْ عُمُرِهِ، فقَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَحْدَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! أَلَا أَقُومُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأُكُلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلُّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا، فَنُعْطِيَهُ أيَّهَا شَاءَ، ويَكُفَّ عَنَّا؟ فَقَالُوا: بَلَى يَا أبَا الوَليدِ، قُمْ إِلَيْهِ فَكَلِّمْهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَال: يَا ابْنَ أخِي! إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنَ السِّطَةِ فِي العَشِيرَةِ، والمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وسَفَّهْتَ بِهِ أحْلَامَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ ودِينَهُمْ، وَكَفَّرْتَ بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا، قَالَ: قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُلْ يَا أبَا الْوَليدِ أَسْمَعْ"، قَال: يَا ابْنَ أَخِي! إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، حَتَّى لا نَقْطَعَ أمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ، لا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وبَذَلْنَا فِيهِ أمْوَالَنَا حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ ورَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسْتَمعُ مِنْهُ، قَالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أبَا الوَليدِ؟ "، قال: نَعَمْ، قَالَ: "فَاسْتَمعْ مِنِّي"، قَالَ: أفْعَلُ، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} .. الآيات، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ، أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ انتهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ، ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم: "قَدْ سَمِعْتَ يَا أبَا الوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ! ".

<<  <   >  >>