فخرج عثمان حتى أتى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته، وحمله بين يديه وردف خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان قد قُتل.
وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى:"هذه يد عثمان"، فضرب بها على يده.
قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - في قوله تعالى:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، فأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحاً قريباً}. قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربع مائة، فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة وهي سمرة -. بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت. فبايعناه كلنا إلا الجد بن قيس، اختبأ تحت بطن بعير، ونحرنا يومئذ سبعين من البدن، لكل سبعة جزور. فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنتم اليوم خير أهل الأرض". قال جابر: لو كنت أبصر، لأريتكم موضع الشجرة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لن يدخل النار رجل شهد بدراً والحديبية، لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ".
ثم إن قريشاً بعثوا سهيل بن عمرو- أحد بني عامر بن لؤي - فقالوا: ائت محمداً فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبداً، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" سهل الله أمركم، لقد سهل من أمركم، قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل "، فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكلما وأطالا الكلام، وتراجعا، حتى جرى بينهما الصلح،