للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. أُولَئِكَ الثَلَاثَةُ، أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (١). وإِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ أُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ؟، وَأَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَوَلَدًا؟، وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: أَيْ فُلُ أَلَمْ أَخْلُقْكَ؟ أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أَكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. وَيَلْقَاهُ الْآخَرُ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ أَلَمْ أَخْلُقْكَ؟ أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ. حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُنْكِرَ الْمُنْكَرَ إِذْ رَأَيْتَهُ؟، فَمَنْ لَقَّنَهُ اللهُ حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ، رَجَوْتُكَ وَخِفْتُ مِنْ النَّاسِ. فَيَقُولُ: فَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِي، أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَيَقُولُ: آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَصَدَّقْتُ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ، فَيَقُولُ: فَهَا هُنَا إِذًا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَا نَبْعَثُ عَلَيْكَ؟، فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ -وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ الَّذِي يَغْضَبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ-، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا. فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لَأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ الْآدَمِيِّ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ. وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَعِظَامُهُ وَعَصَبُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ. فَيَنْظُرُ قُدَّامَهُ، وَبَعْدَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ إلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ.


(١) قَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ الشَّامِيَّ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟، ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ، وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا، وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

<<  <   >  >>