للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتَّقُوا النَّارَ، اتَّقُوا النَّارَ، اتَّقُوا النَّارَ، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. ومَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، ولَا يَسْتَرْعِي اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدًا رَعِيَّةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَقَامَ فِيهِمْ أَمْرَ اللهِ أَمْ أَضَاعَهُ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً، وإِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ: صَلَاتُهُ، مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُتِمَّهَا؛ زِيدَ عَلَيْهَا مِنْ سُبْحَاتِهِ حَتَّى تَتِمَّ، فَإِنْ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ نَافِلَةٌ وَإِنْ كَانَ انْتُقِصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ - عز وجل -: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ يُكَمِّلُ لَهُ مَا انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، فَإِنْ صَلَحَتْ، فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. وإِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ تَاجِراً يُدَايِنُ النَّاسَ فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَخُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ لَهُ اللهُ - عز وجل -: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ وَكَانَ لِي غُلَامٌ، فَكُنْتُ إِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي، فَغُفِرَ لَهُ. ومَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الظُّلْمُ ثَلَاثةٌ: فَظُلْمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ، وَظُلْمٌ لَا يَتْرُكُهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، فَالشِّرْكُ، قَالَ اللهُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ، فَظُلْمُ العِبَادِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ -عز وجل- وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَتْرُكُهُ، فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. أَلَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وأَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ، كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، وَمَنَعَنِي فَضْلَهُ.

<<  <   >  >>