وأخذ يوسف يدعوهما إلى توحيد الله ويبيّن لهما الدين الحق، وقال لهما: يا ساكِنَي السِّجنِ، أعبادةُ آلهةٍ مخلوقةٍ شَتَّى خيرٌ أم عبادةُ اللهِ الواحدِ القَّهارِ؟ ما تعبُدونَ مِن دونِ اللهِ إلَّا أسماءً لا معانيَ وراءَها، جعلتُموها أنتم وآباؤكم أربابًا، جهلًا منكم وضلالًا، ما أنزل اللهُ مِن حُجَّةٍ أو برهانٍ على صِحَّتِها، وما الحُكمُ إلَّا لله تعالى وَحدَه لا شريكَ له، هو سبحانه أمَرَ ألَّا تعبُدوا أحدًا غيرَه، وهذا هو الدِّينُ القيِّمُ الذي لا عِوَجَ فيه، ولكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ يجهَلون ذلك، فلا يعلمونَ حقيقتَه.
ثم فسر لهما رؤياهما بقوله: أمَّا أحدُكما فإنَّه يخرجُ مِن السِّجنِ، ويكونُ ساقيَ الخَمرِ للمَلِك، وأمَّا الآخَرُ فإنَّه يُصلَبُ ويُترَكُ، فتأكُلُ الطَّيرُ مِن رأسِه، فُرِغَ من تأويل رؤياكما وهو واقع بقضاء الله، وقال يوسُفُ للذي علِمَ أنَّه ناجٍ من صاحِبَيه: اذكُرني عند سيِّدِك المَلِك، وأخبِرْه بأنِّي مظلومٌ، قد سُجِنْتُ بلا ذَنبٍ، فأنسَى الشَّيطانُ ذلك الرَّجُلَ أن يَذكُرَ للمَلِك حالَ يوسُفَ، فمكثَ يوسُفُ بعد ذلك في السِّجنِ عِدَّةَ سَنواتٍ.
وبعد تلك السنين جمع ملك مصر أهل الشورى والعلم وقال لهم: إنِّي رأيتُ في منامي سبعَ بقَراتٍ سِمانٍ، يأكُلُهنَّ سَبعُ بقَراتٍ نَحيلاتٍ مِن الهُزالِ، ورأيتُ سبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ، وسَبعَ سُنبُلاتٍ يابساتٍ يلتففن على السنبلات الخضر ويسقطنهن، يا أيُّها الأشرافُ والكُبَراءُ أخبِروني عن هذه الرُّؤيا، إن كنتُم على علمٍ بتفسيرِ الرُّؤى. فقالوا له: رؤياك هذه أخلاطُ من الأحلامٍ لا تأويلَ لها، وما نحن بتفسيرِ الأحلامِ المختلطةِ بعالِمينَ، وهنا تذكر ساقي الملك -وهو الذي نجا من الفَتيَينِ اللَّذينِ كانا في السِّجنِ معَ يُوسفَ- أن يوسف عليه السلام يتقن تأويل الرؤى، فقال للملك ومن معه: أنا أُخبِرُكم بتأويلِ هذه الرُّؤيا، فابعَثوني إلى يوسُفَ المسجونِ؛ لآتيَكم بتفسيرِها. وعندما وصل الرَّجُلُ إلى يوسُفَ قال له: يا يوسُفُ يا أيُّها الصِّدِّيقُ فسِّرْ لنا رؤيا مَن رأى سبعَ بقراتٍ سِمانٍ يأكلُهنَّ سَبعُ بقَراتٍ هَزيلاتٍ، ورأى سبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وأُخَرَ يابساتٍ؛ لعلِّي أرجِعُ إلى المَلِك وأصحابِه فأُخبِرُهم؛ لِيعلموا تأويلَ ما سألتُك عنه، ولِيعلَموا مكانتَك وعلمك وفَضلَك.