للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال يوسُفُ لسائِلِه عن رُؤيا المَلِك: تفسيرُ هذه الرُّؤيا هو أنَّكم تزرعونَ سبعَ سِنينَ مُتتابِعةً جادِّينَ ليَكْثُرَ العَطاءُ، فما حصدتُم منه في كلِّ مرَّةٍ فادَّخِروه واترُكوه في سُنبُله؛ لئلَّا يَفْسُدَ، إلَّا قليلًا ممَّا تأكُلونَه من الحُبوبِ. ثمَّ يأتي بعد هذه السِّنينَ الخِصْبةِ سبعُ سنينَ شديدةُ الجَدْبِ، يُؤكَلُ فيهنَّ كلُّ ما ادَّخَرتُم لهنَّ مِن قَبلُ، إلَّا قليلًا ممَّا تَحفَظونَه وتدَّخِرونَه. ثمَّ يأتي مِن بعدِ هذه السِّنينَ المُجدِبةِ عامٌ يُمطَرُ فيه النَّاسُ مطراً يغيثهم ويروي أراضيهم، فيرفَعُ اللهُ تعالى عنهم الشِّدَّةَ، ويَعصِرونَ فيه الثِّمارَ؛ مِن كثرةِ الخِصْبِ والنَّماءِ.

و لَمَّا علِمَ المَلِكُ بتأويلِ رُؤياه قال لأعوانِه: أخرِجوا هذا الرجُلَ المعبِّرَ للرُّؤيا من السِّجنِ، وأحضِروه لي، فلمَّا جاءه رسولُ المَلِك يدعوه، قال يوسُفُ للرَّسولِ: ارجِعْ إلى سَيِّدِك المَلِك، واطلُبْ منه أن يسألَ النِّسوةَ اللَّاتي جَرَحْنَ أيديَهنَّ عن حقيقةِ أمْرِهنَّ وشأنِهنَّ معي؛ لتظهَرَ الحقيقةُ للجميعِ، وتتَّضِحَ براءتي، إنَّ رَبِّي عليمٌ بصَنيعهِنَّ وأفعالِهنَّ، لا يخفى عليه- سُبحانه- شَيءٌ مِن ذلك. فدعا المَلِكُ النِّسوةَ اللَّاتي جرَحْنَ أيديَهنَّ، وقال لهنَّ: ما شأنُكنَّ حين راودتُنَّ يوسُفَ عن نفسِه يومَ الضِّيافةِ؟ فهل رأيتُنَّ منه ما يَريبُ؟ قُلنَ: معاذَ اللهِ ما عَلِمْنا عليه أدنى شيءٍ يَشِينُه، عند ذلك قالت امرأةُ العزيزِ: الآنَ ظهرَ الحَقُّ بعدَ خفائِه، فأنا التي حاوَلْتُ فِتنَتَه بإغرائِه فامتنَعَ، وإنَّه لَمِنَ الصَّادقينَ في كُلِّ ما قاله، ذلك القَولُ الذي قُلتُه في تنزيهِه والإقرارِ على نفسي؛ ليعلمَ يوسُفُ أنِّي لم أخُنْه بالكَذِبِ عليه حالَ غَيبتِه عنِّي، وأنَّ اللهَ لا يُوَفِّقُ أهلَ الخيانةِ، ولا يُرشِدُهم في خيانِتِهم، وما أزَكِّي نفسي ولا أُبَرِّئُها؛ إنَّ النَّفسَ لَكثيرةُ الأمرِ لصاحِبِها بعمَلِ المعاصي؛ طلبًا لمَلذَّاتِها، إلَّا مَن عصَمَه الله، إنَّ اللهَ غفورٌ لذُنوبِ مَن تاب مِن عبادِه، رحيمٌ بهم.

و حين عَلِمَ مَلِكُ مصرَ بَراءةَ يوسُفَ قال: جيئُوني به أجعَلْه مِن خُلَصائي وأهلِ مَشورتي، فلَمَّا جاء يوسُفُ، وكلَّمَه المَلِكُ، وعرَفَ براءتَه، وعظيمَ أمانتِه، وحُسنَ خُلُقِه وجليل علمه؛ قال له: إنَّك اليومَ عندنا عظيمُ المَكانةِ، ومُؤتمَنٌ على كلِّ شَيءٍ، وأراد يوسُفُ أن ينفعَ العبادَ، ويُقيمَ العدلَ بينهم، فقال للمَلِكِ: اجعَلْني واليًا على خزائنِ مِصرَ؛ فإنِّي خازِنٌ أمينٌ، ذو عِلمٍ وبصيرةٍ بما أتولَّاه. وكذلك أنعَمَ اللَّهُ على يوسُفَ بالخَلاصِ مِن السِّجنِ، ومكَّنَ له في أرضِ مصرَ ينزِلُ منها أيَّ مَنزِلٍ شاءَه، وجعله عزيز مصر والوالي على خزائنها.

<<  <   >  >>