للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قدِمَ إخوةُ يوسُفَ إلى مِصرَ بعد أنْ حلَّ بهم الجَدبُ في أرضِهم؛ ليَجلِبوا منها الطَّعامَ، فدَخَلوا على يوسفَ، فعَرَفهم لأنه رآهم كباراً ولم يتغيروا كثيراً ولم يَعرِفوه هم لطولِ المدَّةِ حيث فارقهم طفلاً صغيراً وقد شبَّ وتغيَّرت هيئتِه. فأمَرَ يوسُفُ بإكرامِهم وحُسنِ ضيافتِهم، ثمَّ أعطاهم مِن الطَّعامِ ما طلَبوا، وسألهم عن أهلهم وأحوالهم وعددهم، فأخبَروه أنَّ لهم أخًا مِن أبيهم لم يُحضِروه معهم- يُعنونَ شَقيقَه- فقال: في المرة القادمة ائتُوني بأخيكم مِن أبيكم، ألم تَرَوا أنِّي أوفيتُ لكم الكَيلَ، وأكرَمتُكم في الضِّيافةِ، وأنا خيرُ المُضْيفينَ لِمَن نزَلَ بي؟ فإنْ لم تأتوني به فليس لكم عندي طعامٌ أكيلُه لكم، ولا تأْتوا إليَّ. فقالوا: سنبذُلُ جُهدَنا لإقناعِ أبيه أنْ يُرسِلَه معنا، ولن نُقصِّرَ في ذلك. وقال يوسُفُ لغِلمانِه: أعيدوا لهم الثمَنَ الذي دفعوه واجعلوه في أمتعتِهم سِرًّا مع ما أعطيناهم من البضائع؛ رجاءَ أن يَعرِفوا إذا انصرفوا إلى أهلِهم وفتحوا أمتعتهم هناك؛ أنا أكرمناهم وضيفناهم وأوفينا لهم أفضل الكيل والبضاعة وأعدنا لهم الثمن فلم نأخذ منهم شيئاً مقابل كل ذلك، ليكون ذلك أدعى لهم في الرجوع إلينا مرَّةً أُخرى.

فلَمَّا رجَعوا إلى أبيهم قصُّوا عليه ما كان مِن إكرامِ الوزير لهم، وقالوا: إنَّه لن يُعطيَنا مُستقبَلًا إلَّا إذا كان معنا أخونا -بنيامين- حيثُ أخبَرناه به، فأرسِلْه معنا نُحضِرِ الطَّعامَ وافيًا، ونتعهَّدُ لك بحِفظِه. فقال لهم أبوهم: كيف آمَنُكم على بنيامين وقد أمِنتُكم على أخيه يوسُفَ مِن قَبلُ، والتَزمتُم بحِفظِه فلم تَفُوا بذلك؟! فلا أثِقُ بالتزامِكم وحِفظِكم، ولكِنِّي أثِقُ بحِفظِ الله؛ خيرِ الحافِظينَ، وأرحَمِ الرَّاحمينَ.

ولَمَّا فَتَحوا أوعيَتَهم وجَدوا ثمنَ بضاعتِهم الَّذي دَفَعوه قد رُدَّ إليهم، قالوا: يا أبانا ماذا نطلُبُ أكثَرَ مِن هذا؟! هذا ثمَنُ بضاعتِنا رَدَّه العزيزُ إلينا، فكُنْ مُطمَئِنًّا على أخينا، وأرسِلْه معنا؛ لنجلِبَ طَعامًا وفيرًا لأهلِنا، ونحفَظ أخانا، ونزداد حِمْلَ بعيرٍ له؛ فإنَّ العزيزَ يَكيلُ لكلِّ واحدٍ حِمْلَ بعيرٍ،

<<  <   >  >>