للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: يا أيُّها العزيزُ، أصابَنا وأهْلَنا القَحْطُ والجَدْبُ، وجِئْناكَ بثَمنٍ رَديءٍ قليلٍ، فأعْطِنا به ما كُنتَ تُعطِينا وتُكرمنا مِن قَبلُ بالثَّمَنِ الجَيِّدِ، وتصدَّقْ عليْنا بقَبضِ هذه الدَّراهمِ الْمُزجاةِ وتَجوَّزْ فيها؛ إنَّ اللَّهَ تعالى يُثيبُ المتفَضِّلينَ بأموالِهم على المحتاجينَ. فلَمَّا سمِعَ مَقالتَهم رَقَّ لهم، وعرَّفَهم بنَفْسِه، وقال: هلْ تذكُرونَ الَّذي فعَلْتُموه بيوسُفَ وأخيه مِنَ الأذَى في حالِ جَهْلِكم بعاقبةِ ما تَفعلونَ؟ قالوا: أإنَّكَ لَأنتَ يوسُفُ؟! قال: نَعَمْ، أنا يوسُفُ، وهذا شَقيقي، قد تفضَّل اللَّهُ علينا، فجَمَعَ بيْننا بعدَ الفُرقةِ؛ إنَّه مَن يتَّقِ اللَّهَ، ويَصبِرْ على المِحَنِ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يُذهِبُ ثوابَ إحسانِه، وإنَّما يَجْزيه أحسَنَ الجَزاءِ. قالوا: واللَّهِ، لقد فَضَّلكَ اللَّهُ علينا، وأعزَّك بالعِلْمِ والحِلمِ، والفَضلِ والكرم والملكِ والجمال، وقد كنَّا خاطِئينَ فِيما فعَلْناه بكَ. فقال لهم يوسُفُ: لا تَأنيبَ عليكمُ اليومَ، يَغفِرُ اللَّهُ لكم، وهو أرحَمُ الرَّاحمينَ لِمَن تاب مِن ذَنبِه، وأناب إلى طاعتِه.

ولَمَّا سألَهم عن أبيه أخبَروه بذَهابِ بَصَرِه مِنَ البُكاءِ عليه، فقال لهم: عُودُوا إلى أبيكم ومعَكم قَميصي هذا، فاطْرَحوه على وجهِ أبي؛ يَعُدْ إليه بَصَرُه، ثم أَحْضِروا إليَّ جميعَ أهلِكم.

ولَمَّا خرجَتْ قافلةُ بَني يَعقوبَ من مِصْرَ مُتَّجِهةً إلى الشَّامِ، سارعت الريح بحمل رائحة يوسف إلى يعقوب، وقال يعقوبُ لِمَنْ حَضَرَ عندَه في فلسطين: إنِّي لَأشَمُّ رائحةَ يوسُفَ، لولا أن تُكَذِّبوني وتَنسُبوني إلى الهَرَمِ والخَرَفِ، فقال له الحاضِرونَ: واللَّهِ، إنَّك لفي خَطئِك الَّذي كنتَ عليه قديمًا. فلَمَّا أنْ جاء يعقوبَ ولدُه المبَشِّرُ برِسالةِ يوسُفَ، ألْقَى قَميصَ يوسُفَ على وجْهِ أبيه، فعاد مُبْصِرًا بعَينَيهِ كما كان. وقال يعقوبُ لأولادِه: ألَمْ أَقُلْ لكم: إنِّي أعلمُ مِنَ اللَّهِ تعالى ما لا تَعلمونَه؟ فقالوا له: يا أبانا، ادعُ اللَّهَ أنْ يَغفِرَ لنا ذُنوبنَا؛ إنَّا نَعترِفُ بأنَّنا كُنَّا خاطِئينَ، فقال لهم أبوهم: سوف أستغفر لكم ربِّي؛ إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

<<  <   >  >>