للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهُوَ التَوَّابٌ (١) يفرح بتوبة عبده، وهو شَاكِرٌ شَكُورٌ (٢)، لا يَمَلُّ حتى تملوا (٣)، وإن الله تعالى يغار (٤)، وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرَّم الله عليه، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ، مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ، وَهُوَ عَفُوٌّ (٥) غَفُورٌ، رَقِيبٌ على خلقه، وهُوَ الدَيَّان الذي يجازي عباده بعملهم، وإِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. عَاتَبَ أَوْلِياءَهُ، وعَجِبَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ، ويَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَجِيبُ لِمَن سَأَلَهُ، وفي يَوْمِ عَرَفَةَ يَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِعِبَادِهِ الْمَلَائِكَةَ، ويَضْحَكُ اللهُ -عز وجل- مِنْ رَجُلٍ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ. وأَحَلَّ مَقْتَهُ وغَضَبَهُ على الطُغاةِ المُجْرِمِينَ الذين لا يَتُوبُونَ، وكَرِهَ انْبِعَاثَ المُنَافِقين فَثَبَّطَهُم، الّذِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، واللهُ يَسْتَهْزِئُ بالمُسْتَهْزِئِينَ بآيَاتِهِ وعِبَادِهِ، وَيَمْكُرْ لِعِبَادهِ على مَنْ يَمْكُرْ عَلَيْهم، وَيَسْتَدْرِجُ الكَافِرِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وإِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ؛ فَإِنَّمَا هو اسْتِدْرَاجٌ {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون}. وَاللهُ هُوَ الْمُؤْمِنُ الذي يؤمِّن عبادَه المؤمنين من بأسهِ وعذابهِ، ويصدِّقُهم على إيمانِهم، وَيَصْدُقُهُم ما وَعَدَهُم (٦)، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٧) والْعِقَابِ، مُنْتَقِمٌ مِنَ المُجْرِمِينَ، ذُو بَطْشٍ شَدِيدٌ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. ولله تسعة وتسعون اسماً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى. وإنّه تعالى لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ (٨)، إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ (٩)، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ (١٠) مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، ولَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ، ولَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.


(١) العبد توابٌ إلى الله من ذنبه، والله توابٌ عليه؛ أي: يقبل توبته ويعفو عنه.
(٢) الشكور: من صفات الله جل اسمه، معناه: أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرته لهم، والله عَزَّ وجَلَّ شكورٌ للعبد؛ أي: يشكر له عمله؛ أي: يجازيه على عمله.
(٣) كأنَّ المعنى: لا يملُّ من ثواب أعمالكم حتى تملُّوا من العمل.
(٤) الغيرة: هي الكراهية للشيء، وذلك جائز في صفات الله. وقد قال تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ الله انْبِعَاثَهُمْ}.
(٥) العفو: المحو، ومنه: {عَفَا الله عَنْكَ}: محا الله عنك؛ مأخوذ من قولهم: عفت الرياح الآثار: إذا درستها ومحتها.
(٦) وأصل الإيمان: التصديق.
(٧) ذو سرعة في محاسبة عباده يومئذٍ على أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
(٨) هو سبحانه منزه عن الحاجة للنوم، وكيف ينام وهو مالك ما في السموات وما في الأرض ومربيهم والقيّوم عليهم، ومدبر أمور معاشهم ومعادهم؟
(٩) يَخْفِضُ الْمِيزَان وَيَرْفَعهُ بِمَا يُوزَنُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَيُوزَنُ مِنْ أَرْزَاقهمْ النَّازِلَة.
(١٠) سُبُحَات وَجْهِه: نُورُه وَجَلَالُه وَبَهَاؤُهُ.

<<  <   >  >>