للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{نَذِيراً} (١) [الفرقان: ١]. وقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩]. ونحوها من الآيات، التي تصف النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه منذر، وبهذا القرآن ينذر، فكيف يتم البلاغ ويكمل الإنذار، وتقوم الحجة، وتنقطع المعذرة به وظاهر ألفاظه غير مقصودة، وليست هي الدالة على مراد المتكلم، ولم يبين الله ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم دليلا يدل على الذي صرف لأجله الظاهر. هذا مناف لمهمة الإنذار والبلاغ، وليس بمثل هذه الأحاجي تقوم الحجة وتنقطع المعذرة. فلا سبيل إلى قيام الحجة وانقطاع المعذرة، وكمال الإنذار إلا أن يكون ظاهر الألفاظ‍ مراده، ويكون بها الإنذار، وبها الإيمان وإليها المرجع والتحاكم (١).

٤ - ومنها قول الله - تعالى - عن هذا القرآن: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ} [البقرة: ١٨٥]. وقال تعالى: {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩]. وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} (٢٤) [محمد: ٢٤]. ونحوها من الآيات الدالة على أن هذا القرآن هدى للناس والآمرة بتدبره، فإن الله - تعالى - خاطب عباده جميعا بذلك، وفيهم الذكي والبليد، والفقيه وغير الفقيه وأوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الخطاب ويعقلوه ويتفكروا فيه، ويعتقدوا موجبه فإذا لم يكن هذا كله يفهم من ظاهر الخطاب، ولم ينصب دليلا ظاهرا على إحالته عن ظاهره، أو نصب دليلا خافيا يستنبطه أفراد الناس يدل على أنه لم يرد ظاهره كان هذا تدليسا وتلبيسا، وكان نقيض البيان وضد الهدى وهو بالألغاز والأحاجي أشبه منه بالهدى والبيان (٢).

٥ - ومنها: حديث زيد بن أرقم (٣) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا فحمد الله وأثنى


(١) انظر منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (١/ ٤٢٦).
(٢) انظر مجموع الفتاوى (٦/ ٣٦٢)، والصواعق المرسلة (١/ ٣١٠).
(٣) هو: زيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي أبو عمرو، من مشاهير الصحابة، ردّ يوم أحد لصغر سنه، وشهد مؤتة. توفي سنة ست وستين وقيل غير ذلك. انظر سير أعلام النبلاء (٣/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>