للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* أقوال العلماء في اعتماد القاعدة:

أقوال العلماء في اعتماد القاعدة - عند المعتمدين لها - كثيرة، وقد سبق في أدلة القاعدة أقوال بعضهم في تقريرها، وسيأتي في الأمثلة التطبيقية - إن شاء الله - بعضها، ولم يخالف في اعتمادها إلا من سبق التنبيه على مخالفته، والصحيح من ذلك هو ما


= ومن الذين خالفوا هذه القاعدة الأشاعرة، فقالوا: إذا ثبت كون الصيغة للاستدعاء، وجب التوقف بين الوجوب والندب حتى يدل الدليل على ما أريد به.
واحتجوا بأن لصيغة الأمر أكثر من احتمال فهي ترد والمراد بها الوجوب، وترد والمراد بها الاستحباب، وترد والمراد بها التهديد، وترد والمراد بها الإباحة، وليس حملها على أحد هذه الوجوه بأولى من حملها على الوجه الآخر، ولا يعلم ذلك إلا بنقل أو عقل، ولم يوجد أحدهما، فوجب التوقف فيها.
والجواب عن هذا: أنا لا نسلم أنها إذا وردت مجردة تحتمل غير الوجوب بحال، وإنما تحمل على غير وجه الوجوب بقرينة أو دليل.
ولو سلمنا جدلا صحة دعواهم، فإن ظواهر الكتاب والسنة والإجماع وقول أهل اللسان التي سبق ذكرها في أدلة القاعدة رجحت لنا حمل صيغة الأمر على الوجوب دون غيره إلا بدليل.
وأيضا فإن العقل يدل على ذلك، فقول القائل «افعل» لا يخلو إما أن يقتضي افعل لا محالة، وإما أن يقتضي المنع من الفعل، وإما أن يقتضي التوقف، وإما أن يقتضي الأمر التخيير بينه وبين الإخلال، ومن المحال أن يكون قوله «افعل» معناه لا تفعل؛ لأنه نقيض فائدة اللفظ‍، أو يكون معناه التوقف؛ لأن قوله «افعل» بعث على الفعل فهو نقيض التوقف، ولا يجوز أن يقتضي التخيير؛ لأنه ليس للتخيير ذكر في اللفظ‍، وإنما اللفظ‍ يتعلق بالفعل دون تركه، فثبت أن قوله «افعل» يقتضي أن يفعل لا محالة.
انظر التمهيد لأبي الخطاب (١/ ١٤٧، ١٦٣، ١٦٦)، وروضة الناظر مع شرحها (٢/ ٧١، ٧٤)، والمسودة ص ٥، وتفسير النصوص (٢/ ٢٦٧ - ٢٦٨).
وفي المسألة أقوال أخرى متهافتة لا تستند إلى برهان أو حجة، وإنما هي آراء واجتهادات مردودة بما ذكرنا من أدلة هذه القاعدة، انظرها في التمهيد للأسنوي ص ٢٦٧ - ٢٦٩) وإرشاد الفحول ص ١٦٩، وغيرهما من كتب الأصول.
ولما كان النهي مقابلا للأمر، فكما اختلف العلماء في دلالة الأمر المجرد عن القرائن على الوجوب أو غيره، اختلفوا في دلالة النهي المجرد عن القرائن على التحريم أو غيره، والمذاهب في النهي كما هي في الأمر. انظر تفسير النصوص (٢/ ٣٧٩). والتمهيد لأبي الخطاب (١/ ٣٦٢)، والمسودة ص ٨١، وشرح الكوكب (٣/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>