للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* أدلة القاعدة:

دلالة القرآن على هذه القاعدة واضحة جلية، وذلك من وجوه أذكر منها ما يلي (١):

١ - أن الله - تعالى - حض عباده على تدبر القرآن وتعقله فقال تعالى: {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ} (٢٩) [ص: ٢٩]، وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} (٢٤) [محمد: ٢٤] وأخبر - سبحانه - عن تيسيره للقرآن في تلاوته وحفظه، وفي فهمه وتدبره بقوله تعالى:

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (١٧) [القمر: ١٧].

وتدبره لا يكون إلا بفهم معانيه، ومن تيسير الله - تعالى - له أن تفهمه الأمة ثم تعمل به، وفهمه والعمل به لا بد لهما من العلم بمعانيه التي يحمل عليها، وهذا خطاب عام للأمة جميعا، ولا يكون لجمهور الأمة تدبر وتفهم لمعانيه إلا إذا كانت تلك المعاني هي المعروفة والمشهورة من لسان العرب، لا ما قل استعماله وندر، وإنّ حمله على المعاني الغريبة، أو النادرة، أو قليلة الاستعمال ينافي التيسير الذي امتنّ الله به على هذه الأمة في فهم كتابه والادكار به، فليس كل مخاطب بهذه الآيات يعلم ما قلّ وندر في استعمال العرب، فضلا عن كون العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لا يعرفون هذا المعنى؛ «لأن الله - جل ثناؤه - إنما خاطبهم بما خاطبهم به، لإفهاهم معنى ما خاطبهم به» (٢).

قال الإمام الشاطبي: إنما يصح - في مسلك الأفهام والفهم - ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه بحسب الألفاظ‍ والمعاني؛ فإن الناس - في الفهم وتأتي التكليف فيه - ليسوا على وزان واحد ولا متقارب، إلا أنهم يتقاربون في الأمور الجمهورية وما والاها، … فيلزم أن ينزل فهم الكتاب والسنة، بحيث تكون معانيه مشتركة لجميع العرب، ولذلك أنزل القرآن على سبعة أحرف،


(١) أفدت في بعض هذه الوجوه من كتاب «منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد» (٢/ ٤٥٧).
(٢) جامع البيان (١٢/ ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>