للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر صور خرجت عن هذه القاعدة]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ويجوز باتفاق المسلمين أن تفسر إحدى الآيتين بظاهر الأخرى ويصرف الكلام عن ظاهره، إذ لا محذور في ذلك عند أحد من أهل السنة، وإن سمي تأويلا وصرفا عن الظاهر فذلك لدلالة القرآن عليه، ولموافقة السنة والسلف عليه؛ ولأنه تفسير للقرآن بالقرآن ليس تفسيرا له بالرأي. والمحذور إنما هو صرف القرآن عن فحواه بغير دلالة من الله ورسوله والسابقين. اهـ‍ (١).

وقال ابن جرير - رحمه الله -: … وإنما الكلام يوجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره، فيكون حينئذ مسلّما للحجة الثابتة بذلك اهـ‍ (٢).

وهذا أوان الوفاء بالوعد، فهذه أمثلة دلت آيات قرآنية وأحاديث نبوية على أن الظاهر المتبادر منها حسب الوضع اللغوي غير مراد، وهذا هو ما استثنيناه من القاعدة بقولنا «إلا بدليل يجب الرجوع إليه».

أ - مثال ما صرفت فيه الآية عن ظاهرها بدليل قرآني:

قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} [البقرة: ٢٢٩]، فإن ظاهره المتبادر منه أن الطلاق كله محصور في المرتين، ولكنه - تعالى - بيّن أن المراد بالمحصور في المرتين خصوص الطلاق الذي تملك بعده الرجعة بقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] (٣).

وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}

[سورة الأنعام: ١٥٢] و [الإسراء: ٣٤] فإن المتبادر من مفهوم الغاية أنه إذا بلغ أشده، فلا مانع من قربان ماله بغير التي هي أحسن، ولكنه - تعالى - بيّن أن المراد بالغاية أنه إن بلغها


(١) مجموع الفتاوى (٦/ ٢١).
(٢) جامع البيان (١/ ٥١٦).
(٣) أضواء البيان (١/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>