للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهين:

أحدهما: أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للندب لما جاز النفي.

ثانيهما: أنه جعل الأمر مشقة عليهم، وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب، إذ الندب لا مشقة فيه؛ لأنه جائز الترك. اه‍ (١).

ج - ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لبريرة (٢): «لو راجعته. قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع؟. قالت: لا حاجة لي فيه» (٣). ومعلوم أن مقتضى شفاعته مستحب. فلما تبرأ من الأمر، وفرق بينه وبين الشفاعة دل على أنه لو أمر لاقتضى الوجوب (٤).

[٣ - ومن أدلة هذه القاعدة إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - فإنهم أجمعوا على وجوب طاعة الله - تعالى]

- وامتثال أوامره من غير سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما عنى بأوامره في حال من الأحوال، فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم عقلوا من أمره الوجوب، وعقلوا من نهيه الكف عن الفعل والترك فكان إجماعا منهم (٥).

[٤ - ومن أدلة هذه القاعدة إجماع أهل اللسان العربي]

على أن السيد لو قال لعبده:

اسقني ماء مثلا، ثم لم يمتثل العبد، وعاقبه سيده على عدم الامتثال كان ذلك العقاب واقعا موقعه؛ لأن صيغة «افعل» ألزمته الامتثال، وليس للعبد أن يقول:

صيغة «افعل» لم توجب عليّ الامتثال، ولم تلزمني إياه، فعقابك لي غلط‍؛ لأني


(١) فتح الباري (٢/ ٤٣٦).
(٢) هي: بريرة مولاة عائشة - رضي الله عنها - قيل كانت مولاة لقوم من الأنصار، فاشترتها عائشة فأعتقتها، وقصة عتقها في الصحيحين، وقد جمع بعض الأئمة فوائد قصتها فزادت على ثلثمائة فائدة.
الإصابة (٨/ ٢٩).
(٣) أخرج هذا اللفظ‍ البخاري، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة من حديث ابن عباس. انظر الصحيح مع الفتح (٩/ ٣١٩)، وأخرج القصة - كذلك - مسلم، كتاب العتق، حديث رقم (٥ - ١٥).
(٤) التمهيد لأبي الخطاب (١/ ١٥٦).
(٥) انظر التمهيد لأبي الخطاب (١/ ١٥٦ - ١٥٨ - ٣٦٢)، وروضة الناظر مع شرحها (٢/ ٧٣)، والتحصيل من المحصول (١/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>