للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم أترك شيئا لازما حتى تعاقبني عليه.

وإجماعهمم على أنه ليس له ذلك وأن عقابه له صواب لعصيانه دليل على أن صيغة «افعل» تقتضي الوجوب، ما لم يصرف عنه صارف (١).

وكذلك لو نهى عبده عن فعل شيء فخالفه وفعله، عاقبه، لم يلم في عقوبته، فلو لم يكن النهي يقتضي التحريم والمنع لما استحق به العقوبة (٢).

***


(١) أضواء البيان (٥/ ٢٤٥ - ٢٤٦)، وانظر روضة الناظر مع شرحها (٢/ ٧٣).
(٢) التمهيد لأبي الخطاب (١/ ٣٦٣).
* وهذه الأدلة ظاهرة كل الظهور في تقرير هذه القاعدة، ومن خالفها لم يأت بشيء يعتد به في مواجهة هذه الأدلة، ولا في تقرير وترجيح قول غير مضمون هذه القاعدة، وإنما هي آراء وعلل عقلية لا اعتماد عليها.
فمن الذين خالفوا هذه القاعدة جماعة من المعتزلة وبعض الشافعية فقالوا: إن حقيقة الأمر تقتضي الندب.
واحتجوا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» [متفق عليه، البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، انظر الصحيح مع الفتح (١٣/ ٢٦٤)، ومسلم، كتاب الحج، حديث رقم (٤١٢)].
قالوا: فرد ذلك إلى مشيئتنا وهو معنى الندب.
وهذا قول ضعيف جدا؛ دلالته على الندب واهية، بل هو من أدلة القاعدة، فهو يدل على أن الأمر للوجوب لا للندب؛ وذلك لأن ما لا نستطيعه لا يجب علينا، وإنما يجب علينا ما نستطيعه، والمندوب لا حرج في تركه مع الاستطاعة.
ومن حججهم أنه لا بد من تنزيل الأمر على أقل ما يشترك فيه الوجوب والندب، وهو طلب الفعل واقتضاؤه، وأن فعله خير من تركه.
وهذه الحجة لا تصح؛ لأن الواجب ليس ندبا وزيادة، فالندب يدخل فيه جواز الترك، وليس هذا بموجود في الواجب.
ثم إن أدلة القاعدة السابقة تبطل هذا، حيث دلت على أن صيغة الأمر المطلقة تقتضي الوجوب.
وانظر التمهيد لأبي الخطاب (١/ ١٤٧، ١٦٩)، والمسودة ص ٥، ٨، وروضة الناظر مع شرحها (٢/ ٧٠، ٧٤)، وإرشاد الفحول ص ١٦٩، ١٧٣. -

<<  <  ج: ص:  >  >>