للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النوع الثاني: خلاف المفسرين الذين ليس مما سبق]

فمن أمثلته ما جاء في تفسير قوله تعالى: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣].

اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية (١):

فقال ابن عباس في رواية عنه: من شهر السلاح في قبّة الإسلام وأخاف السبيل، ثم ظفر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار: إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله وكذا قال سعيد بن المسيب، ومجاهد، والحسن، والضحاك، والإمام مالك وغيرهم.

وقال الجمهور وهي رواية عن ابن عباس: إن قطّاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتّلوا وصلّبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال: قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا: قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا:

نفوا من الأرض.

ومن ذهب إلى ترجيح القول الأول، كانت هذه القاعدة من وجوه ترجيحه، وقالوا: إن اللفظ‍ إذا دار بين الاستقلال والإضمار فحمله على الاستقلال أولى، وهذه القيود لم تذكر في ألفاظ‍ الآية، وليس في ألفاظها وسياقها ما يدل عليها.

قال الشنقيطي: ورجح المالكية هذا القول بأن اللفظ‍ فيه مستقل غير محتاج إلى تقدير محذوف؛ لأن اللفظ‍ إذا دار بين الاستقلال والافتقار إلى تقدير محذوف فالاستقلال مقدم؛ لأنه هو الأصل، إلا بدليل منفصل على لزوم تقدير المحذروف اهـ‍ (٢).

وأيدوا ذلك بالغالب من أسلوب القرآن ومعهود استعماله ل‍ «أو» فإنها للتخيير،


(١) انظر الأقوال والروايات في جامع البيان (٦/ ٢١١)، وانظر أحكام القرآن للشافعي (١/ ٣١٣)، وأحكام القرآن للجصاص (٤/ ٥٤)، وأحكام القرآن للكيا الهراسي (٣/ ٦٥)، وأحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٩٧)، والجامع لأحكام القرآن (٦/ ١٥١) وتفسير ابن كثير (٣/ ٩٣)، وعامة المفسرين ذكروا الخلاف في الآية.
(٢) أضواء البيان (٢/ ٨٧)، وانظر شرح تنقيح الفصول ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>