للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* أدلة القاعدة:

أولا: لا ريب أن القرآن الكريم أفصح الكلام، وجميع ألفاظه وتراكيبه في قمة الفصاحة والبيان، وكل كلمة قد جعلت في موضعها اللائق بها، وكل لفظ‍ في موضعه يؤدي معنى لا يؤديه غيره من الألفاظ‍، وظاهر القرآن التفريق بين معاني الألفاظ‍، حيث فرّق بين قول لفظ‍ وآخر مما يدل على وجوب اهتمام المفسر بالفروق بين الألفاظ‍ وأن لا يجزم بترادف الألفاظ‍ ولها بدونه وجه ثابت صحيح.

وقد قرر الله - تعالى - هذا المسلك في تفريقه بين لفظي «الإيمان والإسلام»، وبين لفظي «راعنا وانظرنا» في قول الله تعالى: {* قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا} [الحجرات: ١٤]، وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا} [البقرة: ١٠٤]، وفي هذا الاستعمال القرآني التنبيه إلى منهج متميز في إثبات معنى لكل لفظ‍ يخصه، ويفرقه عن غيره من الألفاظ‍ المناظرة له، وإن اتفقت في كثير من معانيها.

ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم سلك هذا المسلك القرآني في التفريق بين الألفاظ‍ في الاستعمال والمعنى بدقة بالغة، بما يكون فيه تنبيه على حمل كل لفظ‍ على دقائق معانية دون ادعاء الترادف عليها، وذلك في عدّة أحاديث، منها:

١ - حديث البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتؤضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متّ من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به»، قال: فردّدتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت «اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت» قلت: ورسولك، قال: «لا، ونبيك الذي أرسلت» (١).


(١) متفق عليه، البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل من بات على الوضوء، انظر الصحيح مع الفتح (١/ ٤٢٦)، ومسلم، كتاب الذكر، حديث رقم (٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>