للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية على الأخرى اجتهادا مجردا خاليا من الهوى والبدعة؛ لكنه خلاف الراجح، لوجود معارض أقوى منه، واعتماد غيره بوجه من وجوه الترجيح (١). إذا تقرر هذا، فالمعتبر في هذا هو صحة النظر، وقوة الاستنباط‍، والتجرد من كل هوى وبدعة، فإذا توفر هذا وسلم من المعارض الأقوى منه فهو مرجّح للقول الموافق له على ما خالفه من الأقوال، وهو مضمون هذه القاعدة.

***

* الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

١ - منها ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي} [الأنعام: ٧٦] اختلف المفسرون في قوله: {هذا رَبِّي} هل هو مقام نظر أو مناظرة؟ (٢).

فقال بعضهم: هو مقام نظر، كان إبراهيم - عليه السلام - مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفقه الله وآتاه الرشد فلم يضرّه ذلك في حالة الاستدلال.

وقال آخرون: بل هو مقام مناظرة لقومه، ليبين لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الأصنام.

وهذا القول هو الحق الذي يدل عليه القرآن. كما في سورة مريم والأنبياء


= [الفتح: ١]، وأمثال ذلك. ولا يذكر نفسه بصيغة التثنية قط‍؛ لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقه، وربما تدل على معاني أسمائه. وأما صيغة التثنية فتدل على العدد المحصور وهو مقدس عن ذلك. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية (٣/ ٤٥).
(١) من أمثلة ذلك قول ابن كثير (٦/ ٥٦١) - في تفسير قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: ٣٧]-: وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [الحج:
٦١]، وقد ضعف ابن جرير قول قتادة، ههنا، وقال: إنما معني الإيلاج الأخذ من هذا في هذا، وليس هذا مرادا في هذه الآية، وهذا الذي قاله ابن جرير حق. اهـ‍ تفسير ابن كبير (٦/ ٥٦١) وجامع البيان (٢٣/ ٥). وانظر من نظائر هذا في جامع البيان (٢٤/ ٤٨) و (٣٠/ ٥٥).
(٢) حكى القولين عامّة المفسرين، انظر على سبيل المثال جامع البيان (٧/ ٢٤٨) وما بعدها، ومعالم التنزيل (٣/ ١٦١)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٢٨٥ - ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>