للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* مفهوم النسخ عند السلف:

كان للصحابة والتابعين اصطلاح خاص في مسألة النسخ، فمفهوم النسخ عندهم أعم من مفهومه عند الأصولين، والفقهاء والمحدّثين، وما استقر عليه الأمر بعد ذلك في هذا المصطلح.

فكل تغيير في أحوال النص اعتبره السلف نسخا، سواء أكان رفع حكم ليحل آخر مكانه، أو تخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو تبيين مجمل، أو استثناء، أو رفع ظن في دلالة الآية على معنى، كل ذلك عندهم داخل في مفهوم النسخ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: و «فصل الخطاب»: أن لفظ‍ «النسخ» مجمل، فالسلف كانوا يستعملونه فيما يظن دلالة الآية عليه، من عموم أو إطلاق أو غير ذلك، كما قال من قال: إن قوله: {اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢] و {وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ} [الحج: ٧٨] نسخ بقوله: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وليس بين الآيتين تناقض، لكن قد يفهم بعض الناس من قوله: {حَقَّ تُقاتِهِ}

و {حَقَّ جِهادِهِ} الأمر بما لا يستطيعه العبد فينسخ ما فهمه هذا … فالله ينسخ ما يقع في النفوس من فهم معنى وإن كانت الآية لم تدل عليه؛ لكنه محتمل.

اهـ‍ (١).

وقال الإمام الشاطبي: الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخرا، فالأول غير معمول به، والثاني هو المعمول به.


(١) مجموع الفتاوى (١٤/ ١٠١)، وانظر (١٤/ ١٣٣) منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>