للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي عياض: إن قريشا قد رمت نبينا بكل ما افترته، وعيّر كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته، مما نصّ الله - تعالى - عليه، أو نقلته إلينا الرّواة، ولم نجد في شيء من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهته، وتقريعه بذمّه بترك ما كان قد جامعهم عليه.

ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين، وبتلوّنه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم، وما كان يعبد آباؤهم من قبل.

ففي إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه؟ إذ لو كان لنقل، وما سكتوا عنه، كما لم يسكتوا عند تحويل القبلة، وقالوا: {ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها} [البقرة: ١٤٢]، كما حكاه الله عنهم. اهـ‍ (١).

وقد طعن الكفار في إرسال الرسل لكونهم مشتركين معهم في البشرية كما قال الله تعالى عنهم: {قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} (١٠) [إبراهيم: ١٠]. فلو كانوا مشتركين معهم في عبادة الأصنام والإشراك بالله لكان أكبر حجة لهم في الطعن في إرسالهم. والقدح في إرسالهم بحجة الاشتراك في الشرك أقوى وأعظم من الاشتراك في البشرية كما لا يخفى، فلمّا لم يرد ذلك دلّ على أنهم لم يكونوا معهم على ملة واحدة. فإذا تقرر ذلك كله، فلا يجوز أن يفسر القرآن بتفسير فيه قدح في مقام النبوة، وله في غير ذلك محمل صحيح سليم.

***

* أدلة القاعدة:

الأدلة على عصمة الأنبياء والرسل كثيرة نقلية وعقلية، فإذا ثبت ذلك، فالتفسير الذي يتمشى مع هذه العصمة أولى بتفسيرالآية، وكل قول طعن فيها وخالفها فهو


(١) الشفا (٢/ ٧٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>