للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - التفسير الباطني عند الصوفية]

من أمثلته ما جاء عنهم في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (١٢٦) [البقرة: ١٢٦].

قال مفسرهم: {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا} الصدر الذي هو حرم القلب {بَلَداً آمِناً} من استيلاء صفات النفس، واغتيال العدو للعين، وتخطّف جن القوى البدنية، أهله {وَارْزُقْ أَهْلَهُ} من ثمرات معارف الروح، أو حكمه وأنواره {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} من وحّد الله منهم وعلم المعاد، {قالَ وَمَنْ كَفَرَ}

أي: ومن احتجب أيضا من الذين سكنوا الصدر، ولا يجاوزون حدّه بالترقي إلى مقام العين لاحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر، {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} من المعاني العقلية، والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على قدر ما تعيشوا به. اه‍ (١).

وقال آخر في تفسير قوله تعالى: {وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: ٣٦].

قال: … وأما باطنها فالجار ذو القربى هو القلب، والجار الجنب هو الطبيعة، والصاحب بالجنب هو العقل المقتدي بالشريعة، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة لله، هذا باطن الآية. اه‍ (٢).

قال الإمام الشاطبي: - معلقا على كلام التستري (٣) السابق -: وهو من المواضع المشكلة في كلامه، ولغيره مثل ذلك أيضا؛ وذلك أن الجاري على مفهوم كلام العرب في هذا الخطاب ما هو الظاهر، من أن المراد بالجار ذي القربي وما ذكر معه ما يفهم


(١) تفسير القرآن لابن عربي (١/ ٨٤).
(٢) من كلام سهل بن عبد الله التستري في تفسيره ص ٣٠.
(٣) هو: سهل بن عبد الله بن يونس التستري أبو محمد الصوفي الزاهد، روى عنه أبو نعيم قوله: أصولنا ستة، التمسك بالقرآن، الاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكفّ الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق، له كتاب في التفسير، توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين. سير أعلام النبلاء (١٣/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>