للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وأصل هذه القاعدة، هو المكي والمدني، ولكنها ليست قصرا عليه، وإنما هي أعم وأشمل منه، فهي تتعلق بتاريخ نزول الآية أو السورة، فقد يقع الترجيح بين أقوال في التفسير بناء على التاريخ في قرآن مكي فقط‍، أو مدني فقط‍. وإن كان العلماء تنازعوا في المراد بالمكي والمدني، غير أن المشهور والصحيح في تحديد المكي والمدني - وهو الذي يتفق مع هذه القاعدة التي تحرر - هو: ما نزل قبل هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فهو مكي، وما نزل بعدها، فهو مدني، وإن نزل بمكة (١).

وإنما اخترت هذا الاصطلاح للمكي والمدني؛ لتعلقه بزمن النزول، وهو الذي يعنينا في هذه القاعدة؛ ولأنه حاصر لجميع القرآن، ومطرد فيه، على عكس غيره من تعريفات المكي والمدني.

وأما سبيل معرفة المكّي والمدنيّ، فهو الرواية عن الصحابة والتابعين (٢)، فالصحابة - رضي الله عنهم - هم الذين شاهدوا التنزيل، فعلموا متى نزل؟ وأين نزل؟ وكان


(١) انظر البرهان (١/ ١٨٧)، والإتقان (١/ ٢٣)، ومناهل العرفان (١/ ١٩٤).
(٢) نقل الزركشي في البرهان (١/ ١٨٩)، والسيوطي في الإتقان (١/ ٤٨)، قول الجعبري - وهو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري ت: ٧٣٢ - : لمعرفة المكيّ والمدنيّ طريقان: سماعيّ وقياسي، فالسماعيّ ما وصل إلينا نزوله بأحدهما، والقياسى، قال علقمة عن عبد الله: كل سورة فيها «يا أيها الناس» فقط‍، أو «كلاّ» أو أولها حروف تهجّ سوى الزهراوين والرعد في وجه، أو فيها قصة آدم وإبليس سوى الطولى -[أي البقرة]- فهي مكّية، وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية اهـ‍.
والذي يظهر - والله أعلم - أن الطريق القياسي مبني على استقراء المنقول، وجمعه في ألفاظ‍ كلية كالأمثلة المذكورة آنفا.
أو يكون القياس مبنّيا على العلم بواقع معين في مراحل تنزّل القرآن، فمن خلال ما ورد من الحديث عن هذا الواقع يحكم عليه بأنه مكي أو مدني. فمثلا: النفاق لم يظهر إلا في المدينة، ونزلت آيات تعالج هذه القضية، وتكشف عور المنافقين، فلا شك أن تكون هذه الآيات مدنية؛ لأنه لم يكن له وجود في مكة. ومع ذلك فإن النقل لا ينفك عنه حتى ولو في نقل هذا الواقع الذي وجد في مرحلة معينة وما نقل عن الصحابة والتابعين في بيان المكي والمدني أكثر من أي علم آخر من علوم القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>