للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد أن ذكر من يفسر القرآن بمجرد الاحتمالات اللغوية، وأنهم أكثر غلطا من المفسرين المشهورين -: وأعظم غلطا من هؤلاء وهؤلاء من لا يكون قصده معرفة مراد الله؛ بل قصده تأويل الآية بما يدفع خصمه عن الاحتجاج بها، وهؤلاء يقعون في أنواع من التحريف ولهذا جوز من جوز منهم أن تتأول الآية بخلاف تأويل السلف وقالوا: إذا اختلف الناس في تأويل الآية على قولين جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث: بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين، وهذا خطأ، فإنهم إذا أجمعوا على أن المراد بالآية إما هذا وإما هذا كان القول بأن المراد غير هذين القولين خلافا لإجماعهم؛ ولكن هذه طريق من يقصد الدفع لا يقصد معرفة المراد، وإلا فكيف يجوز أن تضل الأمة عن فهم القرآن، ويفهمون منه كلهم غير المراد، والمتأخرون يفهمون المراد؟! (١).

وقال في موضع آخر رادّا على من جوّز إحداث قول ثالث: فجوّزوا أن تكون الأمة مجتمعة على الضلال في تفسير القرآن والحديث، وأن يكون الله أنزل الآية وأراد بها معنى لم يفهمه الصحابة والتابعون؛ ولكن قالوا: إن الله أراد معنى آخر، وهم لو تصوروا هذه «المقالة» لم يقولوا هذا، فإن أصلهم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يقولون قولين كلاهما خطأ والصواب قول ثالث لم يقولوه؛ لكن قد اعتادوا أن يتأولوا ما خالفهم، والتأويل عندهم مقصوده بيان احتمال في لفظ الآية بجواز أن يراد ذلك المعنى بذلك اللفظ‍، ولم يستشعروا أن المتأول هو مبين لمرادالآية مخبر عن الله - تعالى - أنه أراد هذا المعنى إذا حملها على معنى.

وكذلك إذا قالوا يجوز أن يراد بها هذا المعنى والأمة قبلهم لم يقولوا أريد بها إلا هذا أو هذا، فقد جوزوا أن يكون ما أراده الله لم يخبر به الأمة، وأخبرت أن مراده غير ما أراده، لكن الذي قاله هؤلاء يتمشى إذا كان التأويل أنه يجوز أن يراد هذا المعنى من غير حكم بأنه مراد، وتكون الأمة قبلهم كلها كانت جاهلة بمراد الله، ضالة


(١) مجموع الفتاوى (١٥/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>