للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الضابط‍ التقريبي هو هذه القاعدة التي نحن بصدد عرضها، قال الإمام الشاطبي - محددا هذا الضابط‍ الذي يعرف به الخطأ والزلل في الأقوال -: فإن قيل:

فهل لغير المجتهد من المتفقهين في ذلك ضابط‍ يعتمده أم لا؟ فالجواب أنّ له ضابطا تقريبيا، وهو أن ما كان معدودا في الأقوال غلطا وزللا قليل جدا في الشريعة، وغالب الأمر أن أصحابها منفردون بها، قلما يساعدهم عليها مجتهد آخر، فإذا انفرد صاحب قول عن عامة الأمة فليكن اعتقادك أن الحق مع السواد الأعظم من المجتهدين، لا من المقلدين. اهـ‍ (١).

وقد جعل بعض الأصوليين هذا الضابط‍ محددا لمعنى الشذوذ، فقالوا: الشذوذ قول الواحد وترك قول الأكثر (٢).

وهذا هو ما اعتمده إمام المفسرين ابن جرير الطبري في معنى الشذوذ، فقال: ولا يعارض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين. اهـ‍ (٣) فجعل مخالفة الواحد والاثنين للجمهور أو إجماع الحجة شذوذا.

فسبيلنا في تطبيق هذه القاعدة هو تنصيص أحد العلماء أو جماعة منهم على شذوذ قول معين، فإن لم يوجد هذا، وخالف مفسر عامة المفسرين ولا دليل على تصحيح وترجيح أحد الأقوال فهذه القاعدة هي المرجحة لقول جمهور السلف.

إنما قلت «جمهور السلف» ولم أقل «جمهور المفسرين»؛ لأنه قد كثر الخطأ عند المتأخرين، وخاصة في أبواب العقائد وتواطأت عليه أقوالهم وهم كثير، فيلزم من ترجيح قول جمهور المفسرين ترجيح قولهم في ذلك، وتصحيح مذهبهم وهذا باطل، فلأجل هذا قلت «جمهور السلف».

والشاذ هنا يشبه الشاذ في علوم الحديث، فإنهم يعرّفون الشاذ بأنه: رواية الثقة


(١) الموافقات (٤/ ١٧٣).
(٢) انظر البحر المحيط‍ في أصول الفقه (٤/ ٥١٨).
(٣) جامع البيان (٢/ ٥٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>