للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القول من مجاهد قول غريب (١)، خالف فيه عامّة المفسرين، قال القرطبي - بعد أن ذكر قول مجاهد: ولم يقله غيره من المفسرين فيما أعلم. اهـ‍ (٢).

وقد ردّ هذا القول أهل التحقيق؛ لأجل مخالفته لقول عامّة المفسرين، وللظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ} [المائدة: ٦٠] (٣).

قال الإمام الطبري - في معرض ردّه لقول مجاهد:

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله مجاهد، قول لظاهر ما دلّ عليه كتاب الله مخالف. وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، كما أخبر عنهم أنهم قالوا لنبيهم: {أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣]، وأن الله - تعالى ذكره - أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربّهم، وأنهم عبدوا العجل فجعل توبتهم قتل أنفسهم، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة فقالوا لنبيهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ} (٢٤) [المائدة: ٢٤] فابتلاهم بالتيه. فسواء قائل قال: هم لم يمسخهم قردة، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير - وآخر قال: لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم - من الخلاف على أنبيائهم، والنكال والعقوبات التي أحلها الله بهم. ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه، سئل البرهان على قوله، وعورض - فيما أنكر من ذلك - بما أقر به. ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح.

هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه. وكفى دليلا على فساد قول، إجماعها على تخطئته. اهـ‍ (٤).


(١) انظر غرائب التفسير وعجائب التأويل (١/ ١٤٥).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١/ ٤٤٣)، وانظر زاد المسير (١/ ٩٥).
(٣) تفسير ابن كثير (١/ ١٥١)، وانظر روح المعاني (١/ ٢٨٣).
(٤) جامع البيان (٢/ ١٧٣) تحقيق: شاكر. -

<<  <  ج: ص:  >  >>