للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلحظ‍ الحسن قوله: {قَرَّبا قُرْباناً} فكانت عنده قرينة تدل على صحة قوله؛ لأن القرابين إنما كانت في بني إسرائيل.

وقال جماهير المفسرين: إن الابنين كانا لآدم من صلبه، وهو ظاهر التلاوة. ويؤيد قول الجمهور قرينة في السياق، وذلك أن الله تعالى قال: {فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣١] فإنها تدل على أن هذه الحادثة حدثت قبل أن يعلم الناس دفن الموتى، وذلك في عهد ابني آدم لصلبه (١). فإذا نظرت إلى القولين وجدت تنازعا بين القرينتين في الترجيح، وبالنظر في القرينتين نجد أن القرينة التي استدل بها الحسن البصري قرينة ضعيفة، إذ العلم بأن القرابين كانت في بني إسرائيل لا يدل على أنها لم تعرف من قبل ذلك، هذا إذا كانت على المعنى العرفي وهو اسم للنّسيكة التي هي الذبيحة، أما على المعنى العام فلا حجة ولا قرينة لقول الحسن فيها، وذلك أن القربان عام في كل ما يتقرب به إلى الله (٢)، وهذا هو الذي يظهر من سياق الآية.

أما القرينة التي تؤيد قول الجمهور - وهي تعليم الغراب لأحدهما كيف يدفن الميت - فهي قرينة قوية على أن هذه الحادثة حدثت في العهد الأول إذ لم يعرف دفن الموتى، وهما أول أبناء آدم وجدوا على الأرض، فعدم العلم بالدفن عندهما مقطوع به، أما في بني إسرائيل فالدفن كان معروفا قطعا، نظرا لتوالي الموتى من أول الخليقة إلى عهدهم. فلا ينتقل من أمر مقطوع به إلى أمر محتمل لمجرد قرينة محتملة، فدلّ ذلك على صحة قول من قال هما ابنا آدم لصلبه، كما هو قول جماهير المفسرين (٣).


(١) انظر أضواء البيان (١/ ٧٦) و (٢/ ٥٨).
(٢) قال المناوي في التوقيف ص ٥٧٨ القربان: ما يتقرب به إلى الله، ثم صار عرفا: اسما للنسيكة التي هي الذبيحة اهـ‍ وانظر الكليات للكفوي ص ٧٣٣.
(٣) * ونظائر ذلك كثير جدا منها:
١ - ما جاء في تفسير قوله تعالى: فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ [البقرة: ١٧]. انظر -

<<  <  ج: ص:  >  >>