للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة؟ فقال: «اطلبني عند الحوض فإن لم تجدني فعند الميزان» (١) ولو لم يكن الميزان مرئيا محسوسا لما أحاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطلب عنده.

وجهة أخرى: أن النظر في الميزان والوزن والثقل والخفة المقترنات بالحساب لا يفسد شيء منه ولا تختل صحته، وإذا كان الأمر كذلك فلم نخرج من حقيقة اللفظ‍ إلى مجازه دون علة؟

وجهة ثالثة: وهي أن القول في الميزان هو من عقائد الشرع الذي لم يعرف إلا سمعا، وإن فتحنا فيه باب المجاز غمرتنا أقوال الملحدة والزنادقة في أن الميزان، والصراط‍، والجنة، والنار والحشر، ونحو ذلك إنما هي ألفاظ‍ يراد بها غير الظاهر.

قال القاضي أبو محمد: فينبغي أن يجري في هذه الألفاظ‍ إلى حملها على حقائقها اهـ‍ (٢).

٥ - ومنهم الرازي: فهو ممن يقرر هذه القاعدة بل حكى الإجماع عليها - كما سبق في أدلة القاعدة - واستعملها في الترجيح بين الأقوال في غير آيات الصفات (٣)، أمّا إذا جاءت آيات الصفات فإنه يهرع إلى المجاز، ويخالف القاعدة مدعيا أنه لا يمكن حملها على الحقيقة لما فيها من التشبيه، وقد أعمل في كل ذلك العقل، وأفسد معاني النصوص وحملها على غير محاملها؛ لأجل ما اعتقد من اعتقاد باطل.

٦ - ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: فموقفه من تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز مشهور، وهو ينكر المجاز في اللغة وفي القرآن (٤)؛ ولكني أذكر هنا حكايته اتفاق القائلين بالمجاز على أن الأصل في الكلام الحقيقة، بما يؤيد هذه القاعدة.


(١) أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في شأن الصراط‍ (٤/ ٥٣٦)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (١٩٨١).
(٢) المحرر الوجيز (٧/ ١٣).
(٣) انظر مثلا مفاتيح الغيب (٢/ ١٣٠)، (١٠/ ٢١)، و (٢١/ ٢٠٩).
(٤) انظر مجموع الفتاوى (٢٠/ ٤٠٠) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>