للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قسم الإمام الشاطبي العادات إلى قسمين:

الأول: العوائد الشرعية التي أقرها الدليل الشرعي أو نفاها، ومعنى ذلك أن يكون الشرع أمر بها إيجابا أو ندبا أو نهى عنها كراهة أو تحريما أو أذن فعلا وتركا.

والآخر: العوائد الجارية بين الخلق بما ليس في نفيه أو إثباته دليل، فأما الأول فثابت كسائر الأمور الشرعية (١)، فالمنظور فيه هو الدليل الشرعي الذي حكم عليها، ولا يدخل هذا تحت العرف والعادة المرادة هنا، ولذلك لن أورد في شروطه شرط‍ عدم مخالفته لنصوص شرعية اكتفاء بإخراجه هنا.

وأما الآخر فهو المراد وسواء أكانت هذه العادة أو العرف قولا أم عملا، فإن كلامي في هذا الجانب يقتصر على ما كان متعلقا بخطاب الشارع، لا بأقوال وأعمال المكلفين؛ لأنه تفسير لكلام الله كما هو معلوم، أمّا أقوال وأعمال المكلفين فقد تكلم الفقهاء عنها، والفقه وقواعده مجال بحثها.

ولهذا لن أذكر في شروط‍ العرف الآتية - إلا ما كان له تعلق بموضوعنا هذا.

- شروط‍ العرف الذي يقدم على اللغة:

١ - «أن يكون هذا العرف قائما في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو موجودا قبله، فأما عرف حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واصطلح الناس على استعمال اللفظ‍ فيما بينهم فيه، فإنه لا يجوز حمل خطاب الله - عز وجل - عليه وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإنما قلنا ذلك؛ لأنا نريد أن نعرف مراد الله - عز وجل - ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابهما، ولا يمكن معرفة مرادهما بالكلام إلاّ من عرف كان قائما موجودا عند ورود الخطاب، فنعلم أنه قصد بإطلاق الكلام ما يقتضيه ذلك العرف، فأما عرف حدث بعده فإنه لا يجوز أن يتعرف منه مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن موجودا في زمانه» (٢).


(١) انظر الموافقات (٢/ ٢٨٣).
(٢) بلفظه من شرح اللمع للشيرازي (١/ ١٣١)، وانظر شرح تنقيح الفصول ص ٢١١، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ٩٦، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص ١١٠، والمدخل الفقهي العام (٢/ ٨٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>