للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستفاد العموم - أيضا - من غير هذه الصيغ فيؤخذ من المعنى، لا من اللفظ‍ وهذا هو ما يسمى بالعموم المعنويّ، وهو أنواع (١):

منها: عموم المفهوم مطلقا، سواء أكان مفهوم موافقة أم مخالفة، وذلك كعموم مفهوم الموافقة في قول الله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فهو نهي عما هو مثل التأفف، أو أعلى منه من الأذى في حق الوالدين.

ومنها: خطاب الله تعالى للنبي صلّى الله عليه وسلم، فهو يعم الأمة على الصحيح، وهو ما ورد في القرآن مبدوءا بقول الله تعالي: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ،} فهو من حيث اللفظ‍ خاص موجّه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم إلا أنه يحمل على العموم للأمة؛ وذلك لما دل عليه قول الله تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]، وكذا الأمر بمتابعته صلى الله عليه وسلم.

وقد دلّ عليه - أيضا - استقراء القرآن العظيم حيث يعبر فيه دائما بالصيغة الخاصة به صلى الله عليه وسلم، ثم يشير إلى أن المراد عموم حكم الخطاب للأمة، كقوله في أول سورة الطلاق: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ،} ثم قال: {إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} الآية [الطلاق: ١]، فدل على دخول الكل حكما تحت قوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ،} وقال في سورة التحريم {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ} [التحريم: ٢] فدل على عموم الخطاب بقوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ،} نحو ذلك من الآيات.

وقد جاء معنى هذا النوع مصرحا به في قول الله تعالى: {فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها} [الأحزاب: ٣٧]، فإن هذا الخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح - تعالى - بشمول حكمه لجميع المؤمنين في قوله: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} الآية.

وجاء مشارا إليه في قوله تعالى: {خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠]؛


(١) انظرها في البحر المحيط‍ للزركشي (٣/ ١٤٦)، وشرح الكوكب (٣/ ١٥٤ - ١٩٧)، وما بعدها، والواضح في أصول الفقه ص ١٨٨ - ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>