للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاجل والآجل مما يفيد أن الأمر المطلق للوجوب، والنهي المطلق للتحريم (١).

ومن هذه الآيات قول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} (٦٣) [النور: ٦٣]، فتوعد - سبحانه - في هذه الآية المخالفين عن أمره بالفتنة أو العذاب، وحذرهم من مخالفة الأمر (٢)، وكل ذلك يقتضي أن الأمر للوجوب ما لم يصرف عنه صارف، والنهي للتحريم ما لم يصرف عنه صارف؛ لأن غير الواجب لا يستوجب تركه الوعيد الشديد والتحذير (٣).

وكقوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} (٤٨) [المرسلات: ٤٨] فإن قوله: {اِرْكَعُوا} أمر مطلق، وذمه تعالى للذين لم يمتثلوه، بقوله {لا يَرْكَعُونَ} (٤٨) يدل على أن امتثاله واجب (٤).

وكقوله تعالى لإبليس: {ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الإعراف: ١٢] فإنكاره على إبليس موبخا له بقوله: {ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ،} يدل على أنه تارك واجبا، وأن امتثال الأمر واجب، مع أن الأمر المذكور مطلق، وهو قوله تعالى:

{اُسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف: ١١] وعلق الذم على تركه (٥).

وكقوله تعالى عن موسى عليه السّلام: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (٩٣) [طه: ٩٣] فسمى مخالفة الأمر معصية، وأمره المذكور مطلق، وهو قوله: {اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (١٤٢) [الأعراف: ١٤٢]، فأطلق اسم المعصية على عدم امتثال الأمر مما يدل على أن الأمر المطلق واجب الامتثال.


(١) انظر بدائع الفوائد (٤/ ٣).
(٢) الأمر والنهي كل منهما أمر، إلا أن أحدهما أمر بالفعل، والآخر أمر بالترك. التمهيد لأبي الخطاب (١/ ١٦٤).
(٣) أضواء البيان (٦/ ٢٥٣)، وانظر مفاتيح الغيب (٢٤/ ٤٠)، وروضة الناظر مع شرحها (٢/ ٧٢).
(٤) أضواء البيان (٦/ ٢٥٣)، وانظر مفاتيح الغيب (٣٠/ ٢٨٤).
(٥) انظر الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٧٠)، وأضواء البيان (٦/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>