للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصة إلى آخرها. اه‍ (١). فقرر السيوطي في كلامه هذا أن من الأدلة التي يصرف لها الضمير من القريب إلى البعيد، أن يكون البعيد محدثا عنه.

ومن أمثلة ما اجتمع فيه هذان الدليلان قول الله تعالى: {هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا} [الحج: ٧٨].

قال العلامة الشنقيطي - في معرض رده لقول عبد الرحمن بن زيد بأن الضمير «هو» يعود على إبراهيم، وهو أقرب مذكور - قال: في هذه الآيات قرينتان تدلان على أن قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم غير صواب.

إحداهما: أن الله قال: {هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا} أي القرآن ومعلوم أن إبراهيم لم يسمهم المسلمين في القرآن، لنزوله بعد وفاته بأزمان طويلة كما نبه على هذا ابن جرير.

والقرينة الثانية: أن الأفعال كلها في السياق المذكور راجعة إلى الله، لا إلى إبراهيم فقوله: {هُوَ اجْتَباكُمْ} أي الله. {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ:}

أي الله {هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ:} أي الله. فإن قيل: الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور للضمير المذكور: هو إبراهيم.

فالجواب: أن محل رجوع الضمير إلى أقرب مذكور محله ما لم يصرف عنه صارف، وهنا قد صرف عنه صارف، لأن قوله: {وَفِي هذا} يعني القرآن، دليل على أن المراد بالذي سماهم المسلمين فيه: هو الله لا إبراهيم، وكذلك سياق الجمل المذكورة قبله نحو: {هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} يناسبه أن يكون هو سماكم: أي الله المسلمين. اه‍ (٢).

***


(١) همع الهوامع (١/ ٢٢٦ - ٢٢٧).
(٢) أضواء البيان (٥/ ٧٥٠ - ٧٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>