للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبري - بعد أن حكى الخلاف السابق -: وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الذي ناداها ابنها عيسى، وذلك أنه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل فرده على الذي هو أقرب إليه أولى من رده على الذي هو أبعد منه، ألا ترى في سياق قوله: {* فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا} (٢٢) يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثم قيل فناداها نسقا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه.

ولعلة أخرى، وهي قوله: {فَأَشارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: ٢٩] ولم تشر إليه - إن شاء الله - إلا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك، وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله: {أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} (٢٤) وما أخبر الله عنه أنه قال لها أشيري للقوم إليه، ولو كان ذلك قولا من جبريل، لكان خليقا أن يكون في ظاهر الخبر، مبينا أن عيسى سينطق ويحتج عنها للقوم .. اهـ‍ (١).

ورجح هذا القول أيضا الرازي (٢)، والشنقيطي (٣)، وذكرا الحجتين اللتين ذكرهما الطبري، واستظهره أبو حيان في بحره (٤).

ويؤيد هذه القاعدة فيما رجحته في هذا المثال، قاعدة «توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها»، وذلك أن الضمائر في قوله: {وَلِنَجْعَلَهُ}

و {وَرَحْمَةً مِنّا} و {* فَحَمَلَتْهُ} و {فَانْتَبَذَتْ بِهِ} و {فَناداها} فهذه خمسة ضمائر بين بارز ومستتر كلها عائد إلى عيسى - عليه السلام - اتفاقا إلا ضمير {فَناداها} على الخلاف السابق، فإلحاقه بما سبق من الضمائر أولى من إخراجه عنها ما دام الأمر محتملا (٥).


(١) جامع البيان (١٦/ ٦٨ - ٦٩).
(٢) مفاتيح الغيب (٢١/ ٢٠٥).
(٣) أضواء البيان (٤/ ٢٤٦).
(٤) البحر المحيط‍ (٧/ ٢٥٣).
(٥) * ونظائر هذا المثال كثيرة، منها:
١ - ما جاء في تفسير قوله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها [البقرة: ٣٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>