للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمعنى المتوهم، وهو: أن يشهد اثنان، فاكتفى من قيل «أن يشهد» بما قد جرى من ذكر «الشهادة» في قوله: {شَهادَةُ بَيْنِكُمْ}.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب؛ لأن «الشهادة» مصدر في هذا الموضع، و «اثنان» اسم، والاسم لا يكون مصدرا، غير أن العرب قد تضع الأسماء مواضع الأفعال، فالأمر وإن كان كذلك، فصرف كل ذلك إلى أصح وجوهه ما وجدنا إليه سبيلا أولى بنا من صرفه إلى أضعفها. اه‍ (١).

٣ - ومنها قول أبي حيان الأندلسي في مقدمة تفسيره عن منهجه الذي سوف يسير عليه: … ثم أشرع في تفسير الآية ذاكرا سبب نزولها … [إلى أن قال]: منكبا في الإعراب عن الوجوه التي ينزه القرآن عنها، مبينا أنها مما يجب أن يعدل عنه، وأنه ينبغي أن يحمل على أحسن إعراب وأحسن تركيب؛ إذ كلام الله تعالى أفصح الكلام، فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النحاة في شعر الشماخ والطرماح وغيرهما من سلوك التقادير البعيدة، والتراكيب القلقة، والمجازات المعقدة. اه‍ (٢).

وطبّق ذلك عمليا في تفسيره، وكثيرا ما ينبه إلى أن القرآن أفصح الكلام فلا يحمل إلا على أحسن الوجوه وأبعدها عن التكلف وأسوغها في لسان العرب، فلا يحمل القرآن على جميع ما يحتمله اللفظ‍ من وجوه الاحتمالات، وإنما ينبغي إعرابه على أفصح الوجوه (٣).

٤ - ومنه قول ابن هشام الأنصاري مقررا به مضمون هذه القاعدة، في معرض كلامه عن الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها. قال فيها: الجهة الثانية: أن يراعي المعرب معنى صحيحا، ولا ينظر في صحته في الصناعة (٤).


(١) جامع البيان (٧/ ١٠٣).
(٢) البحر المحيط‍ (١/ ١٢).
(٣) انظر على سبيل المثال (١/ ٦١، ٦٣، ٦٧، ٢٢٥)، (٤/ ٦٧٦).
(٤) مغني اللبيب (٢/ ٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>