للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذه القراءة يكون المعنى: من عند الله علم الكتاب.

وأولى الأقوال بالصواب في تفسيرالآية المعنى الذي دلت عليه القراءة المتواترة التي قرأ بها قرأة الأمصار من أن قوله {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} (٤٣) عطف على لفظ‍ الجلالة وأن المراد به كل علماء أهل الكتابين التوراة والإنجيل الذين يجدون صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم ونعته في كتبهم المتقدمة، وبشارات الأنبياء به، إذ معنى القراءة المتواترة أولى بالصواب من معنى القراءة الشاذة.

قال الإمام الطبري بعد أن ذكر القراءتين ومعنى كل قراءة: فإذ كان ذلك كذلك وكانت قرأة الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق على القراءة الأخرى، وهي: (ومن عنده علم الكتاب)، كان التأويل الذي على المعنى الذي عليه قرأة الأمصار أولى بالصواب ممّا خالفه، إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أحقّ بالصواب. اهـ‍ (١).

ويؤيد هذه القاعدة فيما رحجته قاعدة «القول الذي تؤيده آيات قرآنية مقدم على ما عدم ذلك» حيث ورد هذا المعنى في القرآن في غير موضع كما قال تعالى:

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ} {(١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٦ - ١٥٧] وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ} (١٩٧) [الشعراء: ١٩٧]. وأمثال ذلك كالإخبار عن استشهاد أهل العلم وسؤالهم عما أنزل الله في عدة مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ} [آل عمران: ١٨] الآية وقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤] الآية وقوله: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (٤٣) [النحل: ٤٣] إلى غير ذلك من الآيات (٢).


(١) جامع البيان (١٦/ ٥٠٧).
(٢) انظر أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (٢/ ٣٥٣)، وتفسير ابن كثير - (٤/ ٤٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>