الأستاذ النشاشيبي من أفراد الأدباء الذين امتازوا بسعة الرواية وكثرة الاطلاع وجزالة الأسلوب وصحة اللغة والغيرة على العربية وأهلها أضف إلى ذلك خاصة هي أبلغ من كل ما تقدم أعني بها قوة الشخصية ووضوح أثرها في كل م يصدر عنه فالنشاشيبي ذو شخصية مستقلة في إنشائه وتأليفه وإلقائه وحديثه وإشاراته وخطه وبهذه المزية التي لا يشاركه بها أحد عرف بين الناس أكثر من سائر خصائصه ولأجل تلك الشخصية المستقلة يلذ الناس قراءة آثاره من معجب به ومخالف له فلا يكاد الإنسان يبدأ بقراءة رسالة من رسائله حتى يأتي على آخرها كأن كلامه يغري بعضه ببعض.
وخطبتاه في صلاح الدين وأحمد شوقي فيهما علم كثير في الأدب والتاريخ وحب جم وإخلاص شديد وإعجاب بالنبوغ وحزن عميق واستنهاض للهمم وربما كانت خصائص المؤلف أشد ظهوراً فيهما لفرط إعجابه بالسلطان العظيم والشاعر العظيم كقوله في شوقي:
عبقرية عربية، إسلامية، محمدية، وإن شاعراً ما خرج في الأمم العربية قاطبة في جميع أقاليمها كافة من بعد الأحمدين: المتنبي والشيخ (وشوقي في الشعر من الشيخ أشعر) - أستئن (الدالية) نح الدالية: غير مجد. . . مانبغ خطير يضاهيه ولاند - لعبقري، لعظيم.
عصور تلتها عصور، وعصور طوتها عصور، وهناك دول عربية، وهناك أمم عربية، وهناك ملك وسلطان، وليس هناك متنبي ثان. (وإن كان هناك في المغرب محمد بن هاني) حتى جاء أحمد شوقي فملأ الدنيا (كدأب سميه) وشغل الناس (أحمد) عاد وعاد (البحتري) ورأى القوم (حبيباً) يبدع.
رُبَّهُ قائلين يقولون: هو الود في الحياة، وهو الوفاء بعد الممات يتظاهران فيقولان، ويتبجحان في المديح:
أهابك إجلالاً وما بك قدرة ... عليَّ ولكن ملء عين حبيبها
كلاَّ، كلا. حلاّ حلا (إ، هـ لحق مثل ما إنكم تنطقون) إنه الحق، إنه الصدق، (إنه لقول فصل وما هو بالهزل) وحيَّ هلاً، حيَّ هلا إلى كلام كان يوم المهرجان قبل أن يكون ود، قبل أن يكون التصافي، وقبل حزن جاء، ومصاب نزل كلام أملاه عليَّ علمي، وأدبي، ومعرفتي، وإخلاصي في حب لغتي. ما كتبته يميني (إلا ابتغاء وجه الله) إلا ابتغاء وجه عربيتي.