التقي المتأثر بغضب الله وانتقامه أكثر من تأثره برحمته وحنانه، ويزعم إن القرآن يمثل الله بوجه عام ربا عبوسا مخيفا غشوما لا يسأل عباده إلا الخضوع المطلق لإرادته العاتية، وهو مع ذلك لا يعبأ بما للبشر من عواطف ورغائب، ويظن إن مثل هذا المعبود لا يمكن أن يرضي الغريزة الدينية، وانه لذلك كان تاريخ التصوف باجمعه شبه احتجاج على جفاء غير فطري بين الرحمان والإنسان الذي تغمره هذه المعرفة، ثم ذكر نيكلسون هذا رأيه المعهود في تأثير النصرانية في الحقائق الصوفية التي قامت بها على الحب والرحمة، لا على الخوف والنقمة.
إن التصوف الصحيح الذي هو روح الإسلام يخالف رأي هذا المستشرق المخالفة كلها، ذلك إن القرآن، وقوامه الترغيب والترهيب، قد اشتمل على آيات تصف الله بشدة العقاب والعزة والانتقام ترهيبا للعامة الذين ينجع الخوف والشدة في ردعهم وزجرهم أكثر مما يؤثر اللين والتسامح، واشتمل كذلك القرآن على آيات أكثر عددا، وهي تصف الله بالرحمن الرحيم، والبسملة في أوائل السور من الشواهد، وبأنه هو ارحم الراحمين، واللطيف الغفار، والرؤوف الستار، ومنها قوله: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، وهذه الآية يسميها الصوفية والسلف الصالح آية المحنة أي الاختبار، قال أبو سليمان الداراني: لما ادعت القلوب محبة الله انزلها محنة، وقال بعض السلف: ادعى قوم الله فانزل الله آية المحنة (قل إن كنتم الآية. . .) فالصوفية، وشواهد أقوالهم جمة، تعتقد على ذلك إن القرآن قد قام على المحبة وبالمحبة تعاليمه الروحية، فهم يتلون آية المحنة كثيرا، وهو يرتلون: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وكما يلهج المحب باسم حبيبه إذا ما نأى، وكما يشتاق إلى رؤية وجهه، وصف الله محبيه الصادقين في كتابه بقوله: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. وأما الحديث فشواهده أكثر من الآيات، من أشهرها، وهو مما اعتمد عليه التصوف في شرح حقائقه، وما لهج به العارفون كثيرا، وجاء في صحيح البخاري: ما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وان سألني لأعطيه، ولئن استعاذني لأعيذنه. . .