المعبودين أن الأول يضر ولا ينفع والثاني لا يضر ولا ينفع.
والبشر في رأيه يؤلهون العبقرية ويعبدونه لأنهم لا يفهمون فإذا فهموه صلبوه، وهكذا فهم يعبدونه ويجهلونه ولا يعملون بإرادته.
والشعب الانكليزي عنده شعب غبي مغرور غاشم يتمسك بالمزعجات في جميع أحواله ويدعوها رسوما وآدابا، فعادات الانكليز في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم ومجتمعاتهم ومراسمهم سلسلة من المزعجات، وهم مع ذلك يحسبون أنهم من اعرق الأمم في الحضارة بل يزعمون إنهم بناة المدنية الغربية، وقد تأصل في نفوسهم حب التسلط على غيرهم فاستعملوا كل وسيلة لبلوغ غايتهم، فلا معنى للعدل عندهم إذا اصطدم بمصالحهم السياسية، والقتل السياسي في عرفهم ضرورة أو رخصة مباحة. وهو يرى أن العبودية لا تستأصل شأفتها من العالم حتى يأتي اليوم الذي ينشد فيه الناس لن تسود بريطانيا كما يقول، وهكذا فهو يحمل الانكليز وحدهم تبعة استعباد الشعوب المستضعفة في العالم. ولقد أبرزهم حمقى أغبياء في معارض شتى من رواياته حتى ادخل على بعضهم الشك في نفوسهم، فلقد سمعت أستاذا من أساتذة جامعة لندن يقول: لابد من أن نكون نحن الانكليز أغبياء لان برنارد شو يصفنا بالغباوة وهو نابغة ذكي.
لذلك فهو لا يؤمن بالعلم الحديث ولا بالأساليب السياسية ولا بالقوانين والأنظمة الحاضرة ولا بالأوضاع والآداب الاجتماعية، ويكره ألوان النفاق التي يسميها الناس تهذيبا ولياقة، كما يكره الإقبال على الألعاب الرياضية وترويض الأجسام على المشاق، ولا يرى استخف ممن يقول أن العقل السليم في الجسم السليم لأنه لو صح ذلك لكان الفيل أعقل المخلوقات، ولكنه يرى أن العقل السليم يبني الجسم السليم. والناس عنده ينظرون إلى الأشياء بنظر معكوس ويقيسونها بمقاييس ملتوية.
بمثل هذا التفكير وبصراحة جريئة ألف برنارد شو تسعا وثلاثين رواية عالج فيها معضلات الحياة باذلا جهده في القضايا الاجتماعية أكثر من القضايا العلمية مواجها الحقائق بالتفكير لا بالعاطفة. لذلك فأدبه واقعي لا عاطفي، وسلسلة حديث الأشخاص في كل رواياته على ما في بعضها من الاسترسال طلي عذب فكه يستهوي القارئ والسامع بما فيه من سحر وبراعة ورشاقة، وتمتاز رواياته بعمق التفكير وحدة الذكاء وحلاوة النكتة، تستثير