يعتقد الكثيرون ممن لم يفرقوا بعد بين الحق والواقع في أقطار الشرق العربي إن الناس أحرار في إبداء آرائهم وبسط ما يجول في خواطرهم للناس ويستدلون على ذلك بما جاء مثلا في المادة السادسة عشر من الدستور السوري وما ورد في غيره من المواد في دساتير الأقطار العربية الأخرى التي تنص كلها على أن حرية الفكر مكفولة وأن كل شخص مكفولة إن لكل شخص حق الإعراب عن رأيه وهي نصوص يكتفي الباحث بقليل من التحليل والاستقصاء حتى يعرف أنها تخالف الواقع ولا تتفق معه فهي رماد يذر في أعين البسطاء من الناس ليخفي عنهم تأثير العرف القديم والتقاليد البالية التي ما برحت الحاكم المطلق في أقدار الكتاب والأدباء والمفكرين والمسيطر الأول على إبداء وإعلان ما يهجس في نفوسهم ويجول في خواطرهم من آراء عقائد.
استعرض إن شئت في ذهنك جميع من عرفتهم من كبار المفكرين ورجال الأدب المعاصرين في سورية وغيرها من بلاد العرب وارجع إلى ما يكتبونه وينشرونه في هذا العصر وابحث عن أرائهم الخاصة التي يتحدثون بها إلى أصدقائهم في مجالسهم وعن أفكاره التي ينشرونها ويذيعونها على الناس في الصحف والكتب والمجلات وانظر فيما تكنه نفوسهم وما يعلنونه. إنك لو فعلت لوجت أن منهم من رأى الجماعة التي هو منها واعتقد بعقيدتها ودان بعرفها وتقاليدها فكان قي كل ما يكتبه كرجع الصدى فهو لا ينشد إصلاحاً ولا يطلب تجدداً بل يرضى بالحالة التي وجد آباءه عليها وهو أشبه شيء بمفكري القرون الوسطى ممن رضية عنهم الكنيسة ورأت فيهم رسل السلام والحق فخضعوا لحكمها عن رضاء وعملوا بمشيئتها فأراحوا واستراحوا.
ومنهم من كانت السياسة هدفهم الأول فطمحوا للزعامة وصرفوا كل جهودهم للوصول إليها وهم مثقفون لم تخف حقائق الكون وسنن التطور عنهم لكن الوصول إلى الزعامة يقضي أن لا تجابه الجماعة بما لم تألفه فهم يعنون عير ما تكنه نفوسهم ويحاربون حتى الجماعة في أرائهم وعرفهم وتقاليدهم ليحرزوا ثقتهم وينالوا عطفهم آملين أن يتحكموا في أقدارهم ويسيروا في طليعتهم فيقودونهم إلى حيث يريدون واجدين في غاياتهم السامية ما يبرر السبل التي يسلكونها.