وجاء بعد أبقراط أرسطو طاليس (٣٨٢ - ٣٣٢ق. م.) وكان فيلسوفاً وطبيباً في آن واحد فلم يضف إلى ما عرفه أبقراط غير شيء واحد هو قوله أن السل والطاعون ينقلان بالهواء وهذا القول الذي نطق به أحد علماء اليونان منذ ثلاثة وعشرين قرناً صحيح لا غبار عليه لأن السل والطاعون الرئويين ينتقلان بالهواء كما يسبب الطب الحاضر. ولم يمضى غير القليل على موت أرسطو حتى ظهر في السنة ٣٣٠ق. م. ديوكلس فجاءنا بشيء مستحدث لم يذكره من تقدمه وهو مكافحته لنفث الدم لصمغ الثيران أو ما نسميه اليوم الهلام أو الجلاتين.
إن ديوكلس قد أملى هذه الأمثولة على القرون التي تعاقبت بعده ونحن لا نزال نستعمل اله لام شرباً ونلجأ إلى المصل الهلامي حقناً تحت الجلد في مكافحة النزوف ناسيين ذلك العبقري الذي طوته ألوف السنين وهذه الهدية الثمينة التي نفح بها الطب وبنائه ونذكر من أطباء اليونان ساليوس أورليانوس الذي قال عن السل أنه قرحة رئوية مع قيح لا ينضب وكان يصف له الترياق والنوم في أرجوحة والسفر بحراً والقراءة بصوت عالٍ وكان يغذي المسلول بأفضل الأطعمة وأجودها كالبيض والأرز والنشا والخمر واللحوم.
لعمري أن في كلام الطبيب اليوناني لمنتهى الحكمة لأننا إذا استثنينا أمراً واحداً مضراً وقد ورد في كلامه وهو القراءة بصوتٍ عالٍ حكمنا أن مانطق به يعد أساساً لمعالجة السل في زمننا. فإن هواء الشواطئ جزيل الفائدة للمسلولين وأشد فائدة منه هواء عرض البحار الخالي من ذرات الغبار حتى من الجراثيم أيضاً.
فضلاً عن أن تغذية المسلول والاعتناء بأمر طعامه جديد في ذلك العهد الذي كان يظن به أن الطعام مجلبة الداء وأن المسلول كسواه من المرضى محظور عليه الإكثار منه. ويجيء بعد ساليوس ذلك النابغة الكبير والعبقري العظيم الذي لم تنجب القرون السالفة أوسع منه علماً ولا أغزر منه معرفةً أعني به جالينوس (١٣٠ - ٢٠٠بعد المسيح) الذي كان له في تاريخ الطب العربي أكبر أثر لأن الأطباء العرب استرشدوا بما تركه هذا النابغة فنقلوا العلوم عن مؤلفاته وأضافوا إليها ونقضوا ما يحتاج إلى نقض وثبتوا ما هو خليق بإثبات غير أن جالينوس الذي كان له التشريح القدح المعلي حتى أن مؤلفاته بقي معمولا بها زهاء ١٢٠٠سنة،