جالينوس الذي عني قبل كل أحد بعلم الغريزة (الفسيولوجيا) ووضع أسسه الأولى، جالينوس الذي كان للفلسفة من نبوغه القسط الوافر لم يترك شيئاً جديداً عن السل بل اكتفى بان يدقق في ماتركه السلف ويثبت ماوجده حسناً ويمهل مارآه بعيدا عن الصواب ولهذا إذا ذكر اسمه مقرونا بالإجلال ومحفوفاً بالوقار كلما ذكر التشريح أو الغريزة أو الفلسفة فهو قلما يذكر إذا بحث في تاريخ السل.
نصل الآن إلى عهد جدودنا القدماء. إلى أطباء العرب الذين بنوا لنا ذلك المجد الزاهر الذي لا يمحوه كرور الأعوام. إنهم قد برزوا في كثير من فروع الطب والجراحة وكانوا معلمي العالم ما لا يقل عن ستة قرون فإذا كان لنا ما أتفاخر به
فيهم وإذا حق لنا أن نرفع الرأس عالياً متى ذكرت العلوم والفنون فبفضلهم وتفوقهم. كثيرون هم النابغون بين أطبائنا القدماء الذين يطول بنا المقام إذا أتينا على ذكرهم وأخاف أن ينسب إلي التعصب الجنسي إذا ذكرت منهم من تركوا شيئاً عن السل أو لم يتركوا إلا الشيء القليل ولهذا أمر بها رون وبختشوع وحنين والرازي الكبير الذي يعود إليه الفضل في وصف الجدري والحصبة وابن زهر وأبي القاسم وابن القف وكثيرين سواهم.
وأفق عند الإمام ابن سينا (٩٨٠ - ١٠٧٦) الذي جاء في قانونه عن السل بكثير من الأمور الجديدة. فقد ذكر فيه أن نفث الدم ربما لا يتأخر بل يقع فيه الابتداء إذا كان السل من الجنس الرديء وهذا الأمر قد أثبته الطب الحاضر فقد يكون نفث الدم العرض الأول الذي يبدونه السل الرئوي قبل أي عرض آخر.
وقال أيضاًوأما قروح الرئة فقد اختلفت الأطباء في أنها تبرأ أو لا تبرأ البتة لأن الالتحام يفتقر إلى السكون هناك.
لعمري إن هذه الصفحة لخالدة في تاريخ السل أعني بها حاجة السل إلى السكون وامتناع السل الرئوي عن الشفاء لتحرك الرئة حركة مستمرة ألا نرى أن المفصل متى سل يثبت ويحكم عليه بالجمود والقسط؟ ألم نلاحظ أن أفكار الاختصاصيين بالسل قد اتجهت في جميع أقطار العالم إلى إيجاد طريقة يثبتون بها الرئة ليقربوا منها الشفاء وأن الربح الصدرية أو طريقة فورلانيني ليست غايتها إلا منع الرئة موقتاً عن الحركة كما أن قطع عصب الحجاب يرمي إلى هذه الغاية أيضاً فهل أقررنا لذلك النابغة العربي الذي جاءنا منذ