للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعراً، ولا كل شعر يجب أن يكون كلاماً مقفى موزوناً. يفخر أبو الهلال العسكري في صناعيته بالشعر العربيلأننا لا نعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقايعها إلا من جملة شعرها، فالشعر عنده كما ترى هي عناصر النثر وهذا خطأ فاحش نبه إليه (أريسطو) في كلامه على (التراجيديا) إذ جعل الشعر يأخذ مادته من الفلسفة، بمعناها الواسع. أما التاريخ والعلوم فيأخذان مادتها من تفاصيل الحياة! لما يدرس نقادنا الشعر تنصرف أذهانهم إلى اكتشاف ما فيه من بلاغة ولكنهم لا يفكون في الصورة الشعرية وقديماً قال (فيرلين): (خذ البلاغة وقط عنقها) فما شيء أقتل للشعر من هذه البلاغة التي يهيمون بها!

٢ - ثم هي تخالف المدرسةالبر ناسيةالتي ألممنا بها، لأن هذه المدرسة كادت تحشر الشعر بين فنون النحت والتصوير وتقتصر وظيفته على الوصف، حتى أنك إذا سمعت بعض قصائدها استطعت أن تأخذ ريشة وترمم بأوصافها صورة حقيقية! نعم نحن لا نقول مع مهدمي هذه المدرسة أن أنصارها يشبهون القردة لا عمل لهم إلا التقليد، فهذا إسراف، لأن الفن يزين الصورة الطبيعية وينبهك إلى نواح منها كان يمكن أن تجهلها، حتى أنه يروى عن مادام ده ستال أنها قلت: أحب الرسم ولكن من فم لشعراء. ذلك لأن الشعراء يصفون الأشياء على شكل يثير اللذة لما يذيبون فيها من روحهم شاؤوا أم أبوا. على أن مأخذنا على هذه المدرسة هو ضيق آفاقها ومحاربتها الخيال ثم تقييدها نفسها بقواعد الشعر القديمة، تقييداً شديداً خانقاً.

٣ - وهي تخالف المدرسة الإبداعية رومانتيك لأن شعراء هذه المدرسة الذين يقول خصومهم في شيء غير قليل من الحق، أن نصف قصائدهم إشارات تعجب واستفهام ونقط. . يسرفون في استغلال العاطفة، ويكثرون من المبالغات السخيفة، ومن زعماء هذه المدرسة (لامارتين) الذي أضاع كثيراً من سلطانه في وقتنا الحاضر لأن البارنسيين لا يجدنه يعنى بالجمال كما يعنون، ولأن الرمزيين لا يجدون في شعره ما يحبون بل يعتقدون أنه بكاء، مبتذل المعاني.

الشعر والرواية والمدرسة

وظاهر بعد، أننا إذ نأخذ على المدارس القديمة ضعفها إنما ننظر إليها بأعين المجددين فما زال في أوربا (بشر) كثير لا يفهمون شيئاً عن مدرسة الرمز ويتغنون دائماً بالشعر القديم

<<  <  ج: ص:  >  >>