مخارج الألفاظ والبيت الذي يصف به الحيوان الوديع من أرق الشعر، فكأن البيت الأول يفترس الثاني! بل أن من شعراء الرمز من يعتقد أن للحروف ألوانا، فلا يصح أن توصف الألوان إلا بحروفها. وعلماء الرمز يقولون أن القصيدة (قطعة موسيقية)، ويدرسونها كذلك وكل ما يخشونه من المغنى هو أن يكون مبتذلا أو رديئاً بحيث يهدم ما في القطعة مناختلاف منسجم.
متى عرفت ذلك هان عليك أن تفهم لماذا لا يلزم الرمزيون أنفسهم بالبحور والقوافي فليس صحيحاً أن بحراً معيناً لا يصلح إلا لأنواع من الشعر معينة، ليس ذلك في فن الموسيقي، وهو ركن الشعر الرمزي. الرمزيون هم الذين بشروا بعد (بالشعر الحر) فخدموا الشعر بذلك كثيراً، ولم يكتفوا بالتمرد على البحر والقافية من حيث اصطناعهما في أغراض مختلفة من الشعر، ولكنهم تمردوا كذلك على التقاطعوالمواقف، حتى إن منهم من يعتقد أن البيت يقف حيث يقف نفس الشاعر! وإن التقاطيع جد خادعة، فقيمة قراط طراق مثلاً تساوي قيمةريمي
- لتهما مؤلفان من تقطيعين سيلاب - والفرق بينهما، في الواقع، يلمس باليد! ومن طبيعة هذه المدرسة الغموض، لأن الشاعر لا يعطيك إلا طرفاً من الشيء ويترك لك أن تكتشف بقيته، هذا إلى أنه يبدع عالماً جديداً، فيجب عليك أن تقضي وقتا في تفهمه وربما اكتشفت فيه بعد كل قراءة ناحية خافية فزاد إعجابك بتنوع مناحيه. ويذكر النقاد الأوربيون مستشهدينبسانت بوفإن العبقرية في نظر الرمزيين تشبه الجنون، فكما أن المجنون الذي يقبض في يده على قذى يخيل إليه أنه ممسك بشعاع من نور، كذلك الشاغر الرمزي يستطيع إن يقول مع المجنون: في يدي شعاع من النور. . . مسمياً الشيء لا باسمه، ولكن بالخيال الذي أثاره في نفسه. وهنا يحسن أن تقول أن الرموز غير الكناية، فالكناية نوع من الأعيب الكلام ووصف الشيء ببعض مظاهره وأما الرمز فهم الرمز إلى الشيء بصورة نفسية والشاعر على كل حال لا يستنفذ الرمز بكلمة أو بيت كما يستنفذ الكناية فالرمز لا يتم في الراجح إلا مع القصيدة لأنه وصف عالم كامل مستقل، عاش فيه الشاغر زمناً ما وكذلك يختلف الرمز عن التشبيه، فإنك تستطيع أن تقول مثلاً: هذا الشيخ يشبه القبر. تريد بذلك أنه متهدم الجسم مثل قبر عتيق. فهذا تشبيه صورة خارجية بصورة خارجية ولكنك