السير (قورنوال لويس) فقد جمع قائمة من السخافات يعتقد أنها لإثبات وجود هوة سحيقة يستحيل اجتيازها إلى أبد الآبدين بين الغرب المتمدن الكامل والشرق المتوحش المتأخر. إن الإنسان يكاد لا يصدق صدور مثل هذه الأقوال السمجة عن رجال معروفين في الحياة الأوربية العامة فإن (لويس) يدعي أن الشرق يختص بالحكم الاستبدادي المطلق وتعدد الزوجات والرقيق والعقوبات القاسية والثياب الفضفاضة والشعر والتصوف وأما الغرب فيمتاز بالحكومة الحرة والزوجية الواحدة والحرية والفردية والعقوبات الخفيفة والثياب المنطبقة على الجسم وكتابة النثر التوصيفي إن مثل هذا الخليط من السخافات لا يمكن البحث فيه بحثاً جدياً ولا بد أن يتساءل المرء عند قراءة مثل هذه الأفكار الأوربية أليس أقرب إلى الحكمة منها تلك الكلمة الصينية المأثورة التي تقول أن دين البشر واحد في كل محل وإنما شكل العبادة الظاهري يتبدل حسب الظروف والأمكنة. إن الإنسان في حقيقته واحد دائماً وليس من تباين بين أعمق الأفكار والآمال والأماني البشرية سواء في الشرق أو الغرب أما مظاهر الحياة فإنها يجب أن تتبدل حسب تأثير الشروط الخارجية ولكن رغم تبدلها لا يصعب أن نتبين من ورائها عمل الإنسان الذي يبقى دوماً هو نفسه. كثيراً ما نعثر لدى بعض الكتاب على كلمةروح الشرقدون أن نعرف ماذا يقصد منها تماماً فكأنه في استطاعتنا أن نقسم الشعوب إلى طائفتين مختلفتين وأن نميز الشرق عن الغرب في حين أن الخلاف بين الياباني والهندي مثلاً أعظم بكثير منه بين الياباني والفرنسي. وهذا اللورد كرزم الذي عاش مدة طويلة في الشرق يقول أن الاختلاف بين الشعوب الآسيوية نفسها ابلغ منه في أية قارة أخرى فأن التركي مثلاً يختلف عن الألماني والياباني عن الفارسي أكثر من اختلاف البروسي عن الأسباني والهولندي عن اليوناني ونقدر أن ندعي أن الطبيعة البشرية لا يمكن أن تصطبغ بلون القارات بل إن تنوع مظاهرها تابع لظروف كثيرة في كل قارة. ويمكن أن تتفق الشروط والظروف في بقعتين من قارتين مختلفتين فتتشابه الأحوال البشرية فيهما ولذلك لا يجوز أن نستعمل جزافاً اصطلاحات مثل روح الشرق أو الفكرة الآسيوية لأن في ذلك من التعميم والإطلاق السريع ما لا يتفق مع الواقع.
ولكن يظهر أن بعض الكتاب السياسيين يروق لهم لغايات معروفة زيادة شقة الخلاف بين الشرق والغرب ولهذا تراهم لا ينفكون يتكلمون عن تباين الأقوام. ماذا يريد هؤلاء الكتاب