للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من تأكيد الاختلاف بين ما يسمونهروح الغربوروح الشرق؟ ولماذا لا يلتفون إلى مثل ما كتبه طالب صيني في أحدى المجلات الإنكليزية إذ قال، مخاطباً الغربيين: تذكروا إننا نحن الشرقيين أيضا بشر وإن الفرق بين الشرق والغرب إنما هو فرق في درجة التطور لا في أصل الطبيعة أو الخليقة. ونحن من أهل الشرق لا نفهم لماذا يستحيل علينا أن نقوم بالأعمال التي يقوم بها الأوربيونويكفي أن نذكر اليابان لنتيقن من صدق هذا القول. فإن هذه الأمة الشرقية قد أصبحت في برهة قصيرة جداً في عداد العالم العظمى تزاحم الغربيين ليس في ساحات الحرب والسياسة فقط بل في ميادين الاقتصاد والعلم والفن أيضاً. على أنه مما يدعو إلى التأمل أن يقوم بعض رجال السياسة الغربيون، على أثر انتصار اليابان على الروس وطرد الصينيين لبعض الفضوليين من جماعة المبشرين فيخترعون كلمةالخطر الأصفرلأجل التهويل وتحريض الجماهير. لقد خاف هؤلاء الساسة من بزوغ نهضة شرقية تقضي على مطامعهم في السيطرة على العالم وإخضاع جميع الأمم لسيادتهم فأخذوا يدعون أن توحيد صفوف الدول الغربية للقضاء على آثار الحياة والنشاط التي بدأت تظهر في مختلف أنحاء الشرق وردد كثير من الكتاب كلمةالخطر الأصفر وكان إمبراطور ألمانيا ويلهلم الثاني لا يترك فرصة دون أن يذكر الأوربيين بهذا الخطر العظيم الذي يهدد العالم وهو لا يقصد من وراء ذلك إلا نيل مساعدة الدول في إبقاء (كياتشاو) لألمانيا. حينئذ تنبه الشرقيون، على اختلاف بلادهم، إلى مقاصد الساسة الغربيين الحقيقية وعرفوا أن هذا اللغط المستمر بذكر التباين بين الشرق والغرب لا يقصد منه سوى إثبات فضل الأمم الغربية على غيرها وتفوق حضارتها كما أيقنوا أن ترديد كلمة الخطر الصفرإنما يراد منه تحذير الدول الغربية من نهضة الشعوب الشرقية وتشكيل جبهة واحدة لمناوئة هذه النهضة.

لم يكنالخطر الأصفرفي الحقيقة إلا وهماً وهما اختلقته رجال السياسة. ولكن التمسك به هو الذي دعا بعض المفكرين في الشق إلى المقابلة بالمثل فقاموا يذكرون الجماهير بالأخطار التي تهدد حضارات الشرق من سيطرة الغربيين. ولما أخذ الشرقيون يبحثون في المسألة من وجهة نظرهم ظهر لهم أنهم ما زالوا منذ منتصف القرن التاسع تجاه خطر عظيم يهدد كيان حضاراتهم ويكاد اليوم يقضي عليها وهذا الخطر هو ما يمكن أن نسميهبالخطر الأبيضجرياً على اصطلاح الغربيين أنفسهم الذين يحشرون الأمم الأخرى جميعاً تحت

<<  <  ج: ص:  >  >>