يخاطب الضابط الشاب: - إن هؤلاء الهنود الأميركيين، ياصديقي العزيز، بعيدون عن الحضارة. بل لا شك في أنهم متوحشون ولكن بالمعنى الذي نستطيع أن نسمي به ما تنتجه الطبيعة نفسها من ثمار وحشياً. إنما أليس الأولى أن تتصف بالوحشية الفواكه التي نستحصلها نحن البشر بالطرق الصناعية ونبدل طبيعتها الأصلية. ومن المؤسف أن أفلاطون لم يكن يعرف شيئاً عن هؤلاء الهنود. فأنه لو وصله خبرهم لعلم إذن أنهم أمة لا أمل للحصول على مكاسب التجارية فيها ولا محل فيها الألقاب والغنى والفقر ولا لزوم للمعاهدات والحقوق الوراثية وأنظمة ولاية العهد أنها أمة لا تعرف إلا السعادة في الحياة الطلقة. . . هنا تحركت في الضابط الشاب النعرة العسكرية - المسيحية فاعترض على مونتاين قائلاً: - ماذا أفادت كل الفضائل هؤلاء الناس الذين تطنبون في مدحهم والذين تريدون البحث عنهم مع السيد أفلاطون الذي ذكرتموه والذي لم أتعرف إليه، بل ماذا أغنت عنهم جميع المزايا إزاء هجمات الأبطال الأوروبيين؟ ألم تستطع فئة صغيرة من جنود المسيحية الشجعان إخضاع تلك البلاد الشاسعة لحكمنا؟
نعم ياصديقي العزيز. إننا بفضل قوتنا وشدة سطوتنا قد تغلبنا على هؤلاء القوم ولكننا لم نستطع استمالتهم إلينا بالعدل. إننا بتجردنا عن الحلم والكرم والوفاء والصراحة قد أخضعنا سكان (المكسيك) و (بيرو) الذين تتمثل فيهم هذه الصفات في أجلى مظاهرها. ولا شك في أن هذه الصفات هي التي كانت السبب في هلاكهم!
هناك رجل في أسبانيا يقارب عمره التسعين اسمه (لاس قازاس) كنت أود لو تستطيعون الاجتماع به فتسألونه عن الوسائل التي استخدمها الأوروبيون لإخضاع أبناء الطبيعة في أمريكا، أن ما تسمعونه من هذا الشيخ الجليل الذي شهد الحروب هناك لا يدعو إلى الفخر.
إنكم جنود اليوم لا تعرفون إلا الفتح والاستيلاء. ولكن ما هي الوسائل وما هي الغاية؟ فإنه ليس كل من قدرت له الغلبة يستحق لقب الفاتح المنتصر. إن الأعمال التي تظهر بعد الاستياء هي المقياس والأساس. وليس ما تسمونه اليوم سلماً سوى صفحة أخرى للحرب ولكن بأسلحة غير أسلحة القتال في الميدان. كم كان العالم يتقدم نحو الإصلاح لو كانت أعمالنا تستحق أن تصبح قدوة ومثالاً في الفضيلة لتلك الأقوام! إن الواقع على عكس ذلك. فإننا قد استثمرنا عدم معرفة هؤلاء الناس واستفدنا من قلة تجاربهم فسهل علينا دفعهم إلى